في المسكوت عنه
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
هناك نوع من العاملين في حقل الأفكار والأنفس تثقيفاً وتربيةً وتعليماً في كل عصر ولدى كل جيل وفي ظل أي ثورة، هذا النوع يركز كل جهده على تثوير جانب الحماس لدى مخاطبيه من خلال الاقتصار على دغدغة عواطفهم بعيداً عن بناء أفكارهم وتصحيح ثقافتهم وتنمية قدراتهم، فهو لا يهمه مدى رسوخ قناعات الناس بما يدعوهم إليه بقدر اهتمامه بالعمل على تسطيح فكرهم وتحطيم نفسياتهم بحيث يشكلهم على شاكلته، ليصبحوا بعد ذلك الأداة التي يصل بها إلى ما يريد، واليدَ التي يتمكن من خلالها لإزاحة من يشاء، وهو بذلك كله يحاول أن يطبع أهواءه ورغباته ومطامعه بالطابع الديني كي يسهل عليه تمريرها بين الناس، ولكي يتمكن من إقناعهم فيتبنوا ما يتبناه أو على الأقل لا يقوموا بمعارضته.
فمثلاً، بحجة وحدة الكلمة يصبح الحديث عن الفساد والمفسدين عملاً يصب في خدمة العدو، كما أن إثارة القضايا الهامة التي بموجبها يتم للمجتمع اكتمال بنيانه وكمال نضجه بحيث يصل عبرها إلى وحدة يترابط فيها الجانب العملي مع التطبيقي فيصبح القول مطابقاً للعمل باعتبار أن الجميع قد وصلوا إلى مقتضى قوله تعالى: "يهدون بالحق وبه يعدلون"، لا تروق لمثل هذا النوع لسببٍ وجيه، وهو أن وحدة الكلمة لديه تقوم على ترك القضايا الهامة، وإن كان تركها سيؤدي إلى أن يحصل شتات في المجتمع، وتقوم بين بعضه البعض العداوة والبغضاء كعقوبة من الله تعالى نتيجة مخالفة أمره، وتقديم هؤلاء أنفسهم أحكم من الله، بحيث لو أنك تحدثت عن ظالم أو فاسد أو منحرف وأردت أن تزيل من ذهنية الناس الصورة المزيفة عن تلك الشخصية التاريخية أو الدينية وتقدم لهم الصورة الحقيقية التي تم تغييبها عنهم، سيأتون إليك موبخين غاضبين، فأنت لديهم عديم البصيرة قليل الوعي قاصر النظرة، وإذا حاولت أن تحتج عليهم بكتاب الله وما يقوله أعلام الهدى حول مفهوم من مفاهيم آياته الكريمة، سيردون عليك بأن هذا صحيح، لكن أنت لم تراع المصلحة العامة، متناسين أن وحدة الكلمة والموقف والتوجه لا تأتي إلا بتدخل إلهي، فالله وحده هو الذي بيده وحدة كلمة الناس واجتماع صفهم ماداموا متمسكين بكتابه سائرين في سبيله وفق الطريقة التي رسم لهم أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، بهذه الأسس تتحد الكلمة ويتحول في ظلها الأعداء إلى إخوة وليس فقط أصدقاء، أما الجمود والتغاضي عن الفساد والمفسدين فلا يؤدي إلا إلى العداوة والبغضاء.

أترك تعليقاً

التعليقات