نريد قوة تقودها الفضيلة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
الانتقال من حالة الاستضعاف إلى حالة القوة غالباً ما يجعل مستضعفي الأمس، وأقوياء اليوم، ينسون القيم والمبادئ التي حملوها عندما كانوا يعيشون في واقع الاستضعاف، وكانت سبباً في تحولهم من مستضعفين لا وزن لهم، إلى أقوياء يحسب لهم ألف حساب.
والخوف كل الخوف من المستضعف حين يصير قوياً، كونه يبدأ في إخضاع كل مفاهيمه وأحكامه للعوامل المادية التي دخلت في صياغة نفسيته بعد عملية التحول تلك، وبالتالي تصبح القوة التي باتت بمتناوله حاكمة للفضيلة، وموجهة لها، وعندئذٍ تصبح كل قيم الحق والعدل والحرية والكرامة باطلا وشرا وفسادا وظلما وضلالا وكفرا وانحرافا.
لذلك يجب علينا كأحرار أن نحدد علاقتنا بالقوة، على أساس الانطلاق من الفضيلة، لا أن نحدد علاقتنا بالفضيلة انطلاقاً من القوة التي باتت تحت أيدينا، وبعبارة أخرى: إن القوة التي نريد هي: القوة في بعدها المفاهيمي القائم على الفضيلة، وهي التي تصير عقيدة لامتلاك مكنة علمية وفكرية وثقافية وفلسفية صانعة لوعي الإنسان، تمكنه من تحرير ذاته من كل أشكال العبوديات، بحيث يصبح مالكا لإرادة القرار الحر، ومدركا لحجم التأثيرات الخارجية المحيطة، التي تعمل على توجيه إرادته ووعيه، ويمتلك أدوات في تفكيكها ومنع توجيهها باتجاه الظلم والاستبداد.
وهنا يصير المواطن هو صانع الحدث والتاريخ، وليس أداته ووقوده. وفي ذات الوقت يمتلك قوة عسكرية ليست للاعتداء واستغلال فائض القوة في الظلم والاستبداد، بل هي قوة دفاعية تحمي وجوده ومنجزاته الحضارية، قوة رادعة لأي اعتداء عليه أو هتك لحرمته.
إذن هي قوة تحررية للعقل، والجسد، تمنع ذوبانه في منظومة الاستبداد، وتحويله لوقود في عقيدة الأمن الوطني المتحيزة للعسكر، وقود يحرق شريكه في الوطن، ليشكل حاجز صد لكل فكرة مغايرة، أو تحررية، أو محاولات مواجهة لتزييف الوعي. 
في هذه العقيدة التحررية لمفهوم القوة، تحضر الفضيلة بكل ثقلها، لتمنع كل محاولات تدجين الوعي، وتحويل مسار مفهوم القوة من بعده المعنوي، وحصره في البعد المادي العسكري الذي يُفْرِط في استخدام فائض قوته، لمنع أي فائض في صناعة وعي الإنسان، أي فائض علمي ومعرفي، بل أي فائض حقوقي وإنساني.
إن الفضيلة هنا ليست في مقام تبرير القوة كما في “عقيدة الأمن الوطني”، بل هي في مقام قيادتها وصناعة معالمها، لتتشكل وفق معيار القيمة الإنسانية، التي تحقق كرامة الإنسان لا تسحقها.
وتصبح ”عقيدة الأمن الوطني” خاضعة في معيارها لتحقيق الفضيلة، وأهم مصداق لها تحقيق كرامة الإنسان، فتمنع بذلك استخدام القوة ضد وعيه وتدجينه وفق رغبات السلطة، بل تصبح في خدمته لتحقيق الاستقرار الاجتماعي، ومنع أي محاولات اعتداء عليه، وعلى حقه في التفكير الحر، وحقه في الإبداع وصناعة الحضارة.
فتصبح النخبة الحرة، حتى لو لم تكن خياراتها الفكرية كخيارات السلطة، تصبح في طليعة المجتمع، وتكون شريكته في صناعة وعي تحرري، يجعله شريكا أساسيا في القرار، ورقيبا ومحاسبا ومدققا في الحسابات والخيارات السياسية، بل حائط صد أمام كل محاولات تفتيت المجتمع، أو التمييز بين أفراده تحت أي مسمى، حتى لا تنجح السلطة وفق مفهومها الخاص للقوة، في الهيمنة على المجتمع والنخب الحرة والمصلحين لتحييد مفهومها للقوة.
فقوة السلطة استبدادية عسكرية تطويعية، تستخدم الفضيلة أداة لتبريرها بشكل عصبوي متحيز، بينما قوة النخبة والمجتمع الحر، قوة تحررية تقودها الفضيلة نحو معيار الكرامة والحق الإنساني، دون أي شكل من أشكال التمييز.
ولا تستخدم هنا القوة العسكرية إلا في مواجهة أي محاولة لانتهاك كرامة وحقوق أي إنسان، فهي قوة تحمي الإنسان لا تهتك حرمته.
فهي قوة في خدمة الإنسان، لا خدمة السلطان وسلطته، هي قوة تقودها الفضيلة، لا فضيلة تقودها القوة، لتبرر هتك الكرامات بحجة المخاطر السياسية والأمنية.

أترك تعليقاً

التعليقات