من باب الواجب
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ثمة مرضٌ يتهدد وجودنا كثوار، وهو: مرض حب الذات الذي ما دخل ساحةً من ساحات الحق على مدى التاريخ إلا شل حركتها، وأضعف قواها، وشتت شملها، وأسقطها من الداخل بعد أن كان مستحيلاً سقوطها على يد الباطل الذي عمل على إسقاطها بكل ما لديه.
راجعوا التاريخ الرسالي كله، فقد بين أن المراحل التي شهدت تقدماً وسيطرةً على كل شيء من قبل الباطل مقابل تراجع الحق وانكفائه وفقدانه القدرة على التأثير في النفوس، ناهيك عن أن يؤثر في الحياة ويكون له حكم في مختلف شؤونها، ما كان إلا بسبب تفشي هذا المرض بين الأتباع على الرغم من أن أولئك الأتباع كان لديهم الكثير من المؤهلات التي من شأنها أن تجعل منهم النموذج الذي يُستدلُ بوجوده على عظمة الإسلام وعالمية رسالته، فقد حظيت تلك المجتمعات بقيادة تجعلهم يرون أنهم لم يفقدوا من رسول الله صلى الله عليه وآله إلا شخصه، ولكن هيهات أن يدركوا ذلك نتيجة إخلادهم إلى الأرض واتباع الهوى والإخلاص للذات بدلاً من الإخلاص للرسالة.
وهنا يجدر بنا التنبيه إلى أن إنجازات وانتصارات المجاهدين لن يكون لها الأثر الكبير في وجدان وفكر الجمهور المتلقي والمؤيد والمحب والداعم إذا لم نعمل بجدية على تنقية الأرضية التي نريد زرع نتاج المجاهدين فيها من كل الشوائب التي تعتري تلك الأرضية، سواءً كانت في سوح الأنفس أم الأفكار، لأن بقاء مثل هكذا تصورات وقناعات مغلوطة من دون حسمٍ فيها سيؤدي في المستقبل إلى ظهور هذا المرض الخبيث الذي سيفتك بالجسد الثوري كله.
فمثلاً، بحجة وحدة الكلمة يصبح الحديث عن الفساد والمفسدين عملاً يصب في خدمة العدو، كما أن إثارة القضايا الهامة التي بموجبها يتم للمجتمع اكتمال بنيانه وكمال نضجه بحيث يصل عبرها إلى وحدة يترابط فيها الجانب العملي مع التطبيقي فيصبح القول مطابقاً للعمل باعتبار أن الجميع قد وصلوا إلى مقتضى قوله تعالى: «يهدون بالحق وبه يعدلون»، لا تروق لمثل هذا النوع لسببٍ وجيه، وهو أن وحدة الكلمة لديه تقوم على ترك القضايا الهامة، وإن كان تركها سيؤدي إلى أن يحصل شتات في المجتمع، وتقوم بين بعضه البعض العداوة والبغضاء كعقوبة من الله تعالى نتيجة مخالفة أمره، وتقديم هؤلاء أنفسهم أحكم من الله، بحيث لو أنك تحدثت عن ظالم أو فاسد أو منحرف وأردت أن تزيل من ذهنية الناس الصورة المزيفة عن تلك الشخصية التاريخية أو الدينية وتقدم لهم الصورة الحقيقية التي تم تغييبها عنهم، سيأتون إليك موبخين غاضبين، فأنت لديهم عديم البصيرة قليل الوعي قاصر النظرة، وإذا حاولت أن تحتج عليهم بكتاب الله وما يقوله أعلام الهدى حول مفهوم من مفاهيم آياته الكريمة، سيردون عليك بأن هذا صحيح، لكن أنت لم تراع المصلحة العامة، متناسين أن وحدة الكلمة والموقف والتوجه لا تأتي إلا بتدخل إلهي، فالله وحده هو الذي بيده وحدة كلمة الناس واجتماع صفهم ماداموا متمسكين بكتابه سائرين في سبيله وفق الطريقة التي رسم لهم أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، بهذه الأسس تتحد الكلمة ويتحول في ظلها الأعداء إلى إخوة وليس فقط أصدقاء، أما الجمود والتغاضي عن الفساد والمفسدين فلا يؤدي إلا إلى العداوة والبغضاء.

أترك تعليقاً

التعليقات