الوعي.. عزيز قول ذل
 

عبدالفتاح حيدرة

عبدالفتاح حيدرة / لا ميديا - 

الوعي منتج مرتبط بزمانه ومكانه، وأي محاولة لمحاكمته بمنطق عصر آخر ستكون ظالمة. كما أن أي محاولة لاستدعائه إلى مكان وزمان مختلفين سوف تكون محاولة قاصرة، الفكر الواعي تنتجه احتياجات البيئة المحيطة به. لذلك ليس الغرض الأقصى من الدولة أن تسيطر على الأفراد، ولا أن تكمهم بالمخاوف، ولكن الغاية منها أن تُحرر كل إنسان من الخوف، حتى يستطيع أن يعيش ويعمل في أمن تام دون أن يضر نفسه أو يؤذي جاره. هنا يخلق الوعي. وأكرر القول بأن غاية الدولة ليست أن تحوّل الكائنات العاقلة إلى حيوانات متوحشة أو آلات، بل إن الغرض منها هو أن تمكن أجسامهم وعقولهم من العمل في أمن وأمان معيشي ومادي ومعنوي.
غاية الدولة الواعية أن تهيئ للناس عيشا يستمتعون فيه بعقول حرة، حتى لا ينفقوا قوتهم في الكراهية والغضب والكيد وإساءة بعضهم إلى بعض. إن غاية الدولة الحقيقية هي أن تكفل الحرية. والحرية مهمتها أن تنتج الوعي. أما حين تكون العقول فارغة، تتحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى مجرد وسائل لتداول الجهل والحسد والكيد والكذب. حل مشكلات تنمية الوعي الفكري هو الأصل، لأن التطور هو الأصل في حركة المجتمعات، بحكم حتمية القوانين الموضوعية التي تضبط حركتها من الماضي إلى المستقبل. مشكلات تطور الفكر والوعي مستمرة ومتجددة، ومن حلولها المستمرة المتجددة تنمو المجتمعات وتتقدم، اما مشكلات التخلف والجهل فطارئة، وبالتالي مؤقتة، وهي تعوق التطور ولكنها عندما تحل تطرد حركة التطور التقدمي والعملي والفكري من خلال الحلول الجدلية لمشكلات التنمية الفكرية والعلمية والصناعية والانتاجية.
إن وجود التناقضات التي تثير مشكلات التخلف والجهل في المجتمع لا تلغي نهائيا حركة التطور الحتمية، إنما تضعفها، ففي ظل مشكلات التخلف والجهل تظل مشكلات التنمية قائمة ومتجددة، يحلها الناس ولكن بما هو متاح في مجتمعهم في مواقع العمل أو في مواقع البطالة. توجد ملايين المشكلات الاجتماعية التي يثيرها التناقض بين الواقع الاجتماعي وما يريده الشعب، وهي كلها مشكلات تقدم وتنمية وعيش كريم وحرية، فيها يحاول العاملون ان يغيروا بالإنتاج واقعهم ليشبعوا حاجات الشعب المتغيرة المتنوعة المتجددة، وهم في ظل عدوان وحصار واستعمار، وفي ظل الحرية والكرامة والنصر، في ظل الأمة وفي ظل الوحدة، في ظل الاستغلال والفساد وفي ظل المسيرة القرآنية.
ارحموا عزيز قول ذل! الوعي هو ألا تتوقف محاولة التطور، ولا يكف الإنسان اليمني عن محاولة حل مشكلاته عن طريق تغيير واقعه ليشبع حاجاته، ليحقق إرادته، ليتطور، ليبني، ليضيف، ليتقدم... فلماذا لا يترك البعض وعي هذا الشعب ليعيش في مواقع العمل أو في مواقع البطالة، وليعرف هذا الشعب ما هي مشكلاته، وليكتشف حلولها الصحيحة، ثم يحولها إلى خطط إنتاج يومي ينفذها في الواقع، بدلا من جعلها مواد للمهاترات والمكايدات في مواقع التواصل الاجتماعي؟!

أترك تعليقاً

التعليقات