المتضامنون على دمنا
 

عبدالفتاح حيدرة

عبدالفتاح حيدرة / لا ميديا -

اليوم هناك زخم وحماس شعبي يمني عام لا مثيل له شوقا لتحرير مأرب من نجاسة سلطة التبعية والارتهان الإخوانية، وعلى الرغم من ذلك يبدو أن البعض مصاب بإسهال جمع توقيعات التعاطف والتضامن، مع من يستحق ومن لا يستحق، ونشاز التضامن هذا والذي يصدر بين الحين والآخر من بعض الناشطين والصحفيين والكتاب المحسوبين على الحركة الوطنية، والذين احتكروا سنين طويلة مسارح الغناء الوطني، وتربعوا على (مداكي) السلطة والمعارضة معا، وجلسوا على كراسي الأحزاب اليسارية وكنبات سفارات الإمبريالية الأمريكية في وقت واحد، ليظهروا لنا اليوم بتوقيعات التضامن مع شلل سلطة حكم مأرب، نقول لهم كفى استرخاصاً، فهذا التضامن ليس له هدف سوى دفع الرأي العام للتعاطي العاطفي مع مسألة تحرير مأرب وثني الجيش واللجان الشعبية عن معركة التحرير.
طبعا تهدف توقيعات التضامن دائما لدفع الساسة والجمهور للتعاطي العاطفي والشللي وتحويل القضايا المصيرية إلى شأن سياسي عادي، وهذا الفعل من قبل بعض المحسوبين على الحركة الوطنية وبخاصة اليسارية، ليس وليد اللحظة، بل إنه نتيجة تراكم أزمة بنيوية داخل كل التيارات السياسية اليمنية التي تدعي زيفا وباطلا الوطنية، ومنذ نصف قرن تقريبا، هذه الأزمة هي التي أدت إلى تراجع مصداقية الحركة الوطنية اليمنية، وانهيار ثقة الجماهير فيها، وهذا أحد أهم أسباب هزيمتها التاريخية وذلها وهوانها اليوم.
مصيبتنا مع جيل ثوار الستينيات من القرن الماضي، تكمن في حركة ومسيرة جيل السبعينيات والثمانينيات في الدفاع عن ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، صحيح أنهم بدأوا كثوار، والتزموا بأدوات وأساليب عمل ثورية، لا تقبل التنازل ولا تعرف معنى المساومة، لكن في بدايات التسعينيات ومع الوحدة تم دمجهم طوعا في إطار العمل السياسي الحزبي، فغرقوا في مستنقعات المواءمة والمواقف الوسطية، وأصبحوا جزءاً من نظام التبعية والارتهان والوصاية الخارجية، ولم يعد يمكنهم الخروج عليه طبقا للقوانين التي تضبط حركة العمل السياسي وتحكمه، والتي صاغها وقوننها لهم وبالحديد والنار والاغتيالات جماعة الإخوان المسلمين التي تحكم مأرب اليوم.
هذه هي الخطيئة والمعصية التي ارتكبها جيل الحركة الوطنية اليسارية في اليمن، التي تجمع اليوم التوقيعات التضامنية مع من أفرغها من محتواها، وبقصد أو بدون قصد، أصبحوا هم ورثة أمراض الديمقراطية الليبرالية الأمريكية الزائفة، والتي لم يقاوموها في حينه، بل استحسنوها واعتبروها بمثابة النضال الآمن، وهذا الورث الحرام، جعل حزب الإصلاح الإخواني يدخل القبيلة اليمنية في مستنقع تفضيل التعامل مع قضاياه المصيرية بعدة أوجه سيئة لم تكن تعرفها القبيلة اليمنية من قبل، سواء اتقاء للضرر أو جلبا للمنفعة، مما أدى إلى توسع التخلف الأخلاقي والقيمي والتراجع الحضاري والعجز عند اتخاذ المواقف المصيرية.
يا جامعي توقيعات التضامن، هناك مواقف كل أطرافها تستحق المحاسبة والإدانة والفضح والتعرية فورا، لأن الفرق بين ادعاء الوطنية والانتهازية خيط رفيع، مثل عدم الاستجابة لصوت العقل والضمير وخوض معركة تحرير مأرب وعدن والمخا، والمحافظات الرازحة تحت ظل سلطات التبعية والارتهان والعمالة للخارج، أما الحركة الوطنية اليمنية الحقة فقد علمتنا أهمية الالتزام بالنقاء الثوري ضد الرجعية السعودية والإمبريالية الأمريكية، وعلمتنا المسيرة القرآنية ضرورة التمسك بالوعي والأخلاق والقيم، وتعلمنا من صمتكم وحيادكم مع جرائم العدوان والحصار أن الرؤى الاستراتيجية والشعارات الوطنية وحدها لا تكفي لإحداث تحرر واستقلال، كما أن الإمعان مثلكم في التعامل مع العدو بقوانينه والرقص على أنغامه لن يسفر سوى عن هزيمة تاريخية محققة لفكرة التحرر والاستقلال التي أصبحتم تتحرجوا حتى من نطقها.

أترك تعليقاً

التعليقات