محاكمة للضمير الثوري فقط
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
أيُ معنى لتظاهراتك الشكلية باسم الحق؛ وأنت تاركٌ الباب مفتوحاً على مصراعيه لحركة الباطل؛ التي يلمسها الناس في ممارسات بعض المحسوبين على خطك ومنهاجك، والمنضوين تحت لوائك، والمدعين ارتباطهم بك؟!
أيُ قدسية للإنسانية والدين ستبقى؛ متى ما بات المظلوم مهدداً بالقتل من قبل ظالمه؛ فقط لأنه من وجهة نظر الظالم هذا؛ يتمادى بإزعاجه حينما يمارس حقه الطبيعي بالمطالبة بإنصافه، واستعادة حقه المسلوب؟!
أيعقل أن يجري علينا ما جرى على سوانا من الحركات والتنظيمات؟ إذ عادةً ما تبدأ الحركات والثورات الرسالية عبر الزمن طاهرةً من كل دنس، متحررةً من كل سجون الذات، رافضةً للتقوقع في إطار أو نطاق عرقي أو مناطقي أو قومي، مستوعبةً للإنسانية كلها، وحاملةً لهمومها وتطلعاتها، وباذلةً كل ما لديها من أجل تحقيق العدل والحرية،، وانتزاع حقوق الناس كل الناس التي تضمن لهم العيش بكرامة.
ولأن العدل بينهم، والرحمة بهم هما الهدفان الأساسيان لوجود وانطلاقة تلك الحركات والثورات؛ يكون الفقراء والمحرومون والمستضعفون والمنبوذون هم أول من يستجيب، ويضحي بكل ما لديه بغية تحقيق هذين الهدفين، ولكن سرعان ما تنقلب الصورة، وذلك عندما تتحول تلك الحركات إلى نظام، والثورات إلى سلطة ودولة، فتعود كل الأصنام والأمراض التي حاربتها واستأصلتها تلك الحركات إلى الواجهة من جديد. ولعل أهم عامل في عودتها هو: خيانة النخبة من علمائها ومثقفيها لها فكراً وأهدافا ومبادئ.
وإذا ما انطلقنا على هدى التاريخ لاستقراء واقعنا فإننا سندرك أن مشكلة أغلب علماء ومثقفي هذه الأيام، وفقا لرأي جوليان بندا في كتابه خيانة المثقفين في أنهم تنازلوا عن سلطتهم الأخلاقية لمصلحة ما يسميه في تعبير تنبئي، تنظيم العواطف الجماعية، مثل الروح الطائفية، والمشاعر الجماهيرية، والعدوان القومي، والمصالح الطبقية، وقد أدرك بندا كم هو هام للحكومات أن تحول أولئك المثقفين إلى خدام لها، والذين من الممكن أن يطلب منهم ألا يطلقوا الدعاوى ضد الأعداء الرسميين، ويستعملوا العبارات الملطفة، وأن يبتكروا، على نطاق واسع، أنظمة كاملة في اللغة المواربة، التي يمكنها إخفاء حقيقة ما يجري باسم «النفعية» المؤسساتية أو «الشرف القومي».
فالمثقف بذلك التنازل عن مجموعة قيمه الأخلاقية، وأفكاره التي انتصر فيها لقيمة الحق، ورفع الظلم، حتى لو كان تنازلا خفيا عن الجمهور، تحت شعار الصالح العام، أو استخدام شعارات طائفية ومذهبية وقبائلية، فإنه بذلك يعمد إلى خديعة كل من:
1. عقله الذي تم التنازل عنه لصالح منفعته المادية.
2. عقل الجمهور، والذي يعتبر هو مسؤول عن وعيه، فيقوم بخديعة مركبة، أولها خديعة تقوم بصناعة وعي مزيف، وثانيها تقوم بنوعية هذا الوعي القائم على وهم، وليس حقائق، فأي حركة وفعل اجتماعي يكون على أساس انفعال عاطفي جمعي منشؤه العصبيات بكافة أشكالها، هو وعي مزيف ووهم يعمد إلى خديعة العقل الخديعة الكبرى.
وقد قام غرامشي بتصنيف الذين يؤدون الوظيفة الفكرية في المجتمع إلى نوعين: يضم أولهم المثقفين التقليديين مثل المعلمين، ورجال الدين، والإداريين، ممن يواصلون أداء العمل نفسه من جيل إلى جيل. ويشمل ثانيهما المثقفين العضويين، الذين اعتبرهم غرامشي مرتبطين على نحو مباشر بطبقات أو بمؤسسات تجارية تستخدم المثقفين لتنظيم المصالح، واكتساب المزيد من القوة، وزيادة السيطرة على الكون والإنسان.
وما أكثر تبعات خيانة هؤلاء العلماء الذين أخلدوا إلى الأرض، خوفاً وطمعاً، والمثقفين الذين صاروا كماسحي الأحذية؛ مجملين للقبيح، ومسوقين للظلم والظالمين!
أما ثالثة الأثافي فهي: وجود ناشطين إعلاميين، بيد كل ظالم وفاسد، يطلقونهم كالكلاب المسعورة في وجه كل مَن يقول لهم: كفى فسادا وظلما وعبثا وتدميرا.

أترك تعليقاً

التعليقات