خاطرة من وحي المناسبة الشريفة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لا نريد لمناسبة مولد خير البرية صلوات الله عليه وآله أن تتحول إلى مناسبة روتينية، لا نتعامل معها إلا من باب العرف والعادة. وإنما نريد لحركتنا في الحياة كلها أن تظل في رحاب رسول الله صلوات الله عليه وآله. وعليه؛ فلا بد من ملاحقة السمات والخصائص التي تفرد بها المجتمع النبوي، والعمل على ترسيخها في نفوسنا وواقعنا، بحيث نصبح الامتداد الطبيعي الأصيل لذلك المجتمع، عندها لن يكون هذا التحول مجرد انفعال لحظي سرعان ما يزول ويتبخر، تبعاً لما قد يطرأ على الساحة من أحداث ومتغيرات، وما ينتج عن ذلك من بروز أفكار واتجاهات مخالفة لنهجنا وخطنا ورسالتنا وديننا، وإنما سيبقى هو المعطى الثابت مهما كانت المتغيرات، والميزان الضابط للحركة أياً كانت المستجدات، والقوة الباعثة على الاستمرارية في التقدم مهما تبدلت المواقع، واختلفت المواقف، واختلت المعايير والمقاييس من حولنا، ولعل أبرز ما يمكن استيحاؤه من وحي المناسبة، ويستوجبه السعي للنهوض بواقعنا، ولكي تتحقق لنا الصلة المطلقة بالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، هو:
1. إن العنوان الذي يحكم حركة الإعلامي والتوعوي والتعبوي والكاتب والمثقف والأديب في هذه المسيرة هو: الجندية لله، لكونه انتمى بقلبه ولسانه إلى الصف المستجيب لنداء الله، حين قال: «كونوا أنصار الله». وبالتالي فهو دائماً حريص على العمل بما يؤكد هذا الانتماء، ولا يقوم بشيء إلا بعد أن يعلم أن فيه لله رضا، ثم إن هناك معايير إلهية يحدد بموجبها أين يقف، ومن أين يبدأ، ومع مَن يتحرك، وعلى مَن سيدافع، بحيث لا يبقى هناك أي ثغرة في نفسه لعصبية قبلية أو مناطقية أو عقدية يمكن للآخرين استثمارها ليسخروه لخدمة باطلهم، وتبرير ظلمهم، كما أنه سيجد في تاريخ الرسالات الربانية التجارب الكاملة لأنبياء الله ورسله، والصالحين من عباده، بالمستوى الذي سيحقق له الوقاية من الانحراف الجزئي أو السقوط الكلي، ويبين له: أنه كما تحتاج المسيرة الإلهية للقوة المادية لتحقيق الغلبة في سوح القتال، فهي كذلك تحتاج للقوة الفكرية والفنية والثقافية والبيانية، كي تحقق الغلبة في ميدان صراع الأفكار والثقافات، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال إلا البحث في كيفية الوصول إلى قلوب الناس وعقولهم، بعيداً عن الشتائم والسباب وأساليب التحقير والاستهانة بالمخاطب، ومادمنا قرآنيين وفي ذكرى مولد القرآن الناطق صلوات الله عليه وآله، فلماذا لا نسعى لتحسين خطابنا الإعلامي والثقافي من خلال هذين الأساسين؟ إذ لانزال إلى الآن بعيدين كل البعد عن تمثل القرآن في ما يوجه إليه من خطوات في مجال الدعوة والتبيين والتثقيف، وكذلك عن الرسول وأهل بيته، وكيف جسدوا القرآن في الدعوة والفكر والسلوك، فاستطاعوا النهوض بمجتمعاتهم، وتركوا في ذلك ما يبني الإنسانية كلها، لو أن هنالك إرادة فعلاً لاتباعهم والولاء لهم عندنا.
2. على المشتغلين بميدان الكلمة التخلص من حب الذات، والسعي لطلب الهداية من الله سبحانه وتعالى، إلى الطريقة الصحيحة، والأسلوب الأمثل في كل ما يودون طرحه من أفكار، أو يقومون بتصحيحه من مفاهيم وثقافات، أو يسعون لتناوله من قضايا وأحداث، أو يقفون للتصدي له من بلبلة وأكاذيب وإشاعات مغرضة، تستهدف وعي المجتمع، لإحداث اختلالات في الوسط الصامد، كمقدمة لتفكيكه إلى عدة جهات وكيانات متناحرة ومتباغضة، بعد أن كانت تسودها الألفة والوحدة والتعاون والتماسك، فهم قبل أن يعملوا شيئاً تجاه ذلك كله يتجهون إلى الله، تماماً كما كان يفعل الأنبياء عليهم السلام، من ذلك دعاء نبي الله موسى: «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي». لأن القضية قضية دين ورسالة، لا مجال فيها للركون إلى النفس، والاستجابة للانفعال العاطفي، والاندفاع وراء الرغبة الشخصية أو المزاج، المهم يا رب هو: أن تمنحني السكينة والرشاد، وتعينني بالتسديد والتيسير، وتمنحني القدرة البيانية التي أستطيع من خلالها إيصال دعوتك إلى الناس، بالمستوى الذي يحقق لديهم الفهم الكامل، بحيث لا يبقى هنالك أي شبهة أو لبس عندهم، ولا يظل لدي أي دافع أو غريزة يجعلانني لا أعمل على ألا أزن أفكاري بميزان الرشد، ولا أطبع كلماتي بطابع الحكمة، ولا أتجه لفهم الواقع لأعلم ما الذي يحتاجه، وأتمكن من معرفة نفسية المخاطب كي أختار أسلوبي وطريقتي في الحديث معه بالشكل الذي سيقربه من الحق، وأتجنب كل ما سيدفعه للنفور والرفض.
3. العمل على تعزيز الصلات الفكرية والروحية بين القاعدة الجماهيرية وبين القيادة، بحيث تذوب كل الحواجز والموانع التي تحول دون توحدهما في ميدان تحمل المسؤولية، وتمنح لكلٍ منهما موقعه ودوره، فلا تغفل القاعدة الجماهيرية عن مدى أهمية قائدها، في ما يعطيه من فكره ونشاطه وأسلوبه العملي، وقدرته على مواجهة كل التحديات، وحرصه الدائم على المجتمع، وسعة أفقه التي تستوعب الجميع وتعيش القرب الشديد منهم، ولا يلغي القائد دور القاعدة الجماهيرية، في ما قامت به من جهاد ونصرة، وقدمته من تضحيات بالنفس والمال، وبهذا تصبح القيادة والقاعدة في مسار واحد، جنباً إلى جنب، ولا يعني ذلك: الانتقاص من القيادة، وإنما جعلها هي الروح المستوطن لكل جسد من أجساد أتباعها، تماماً كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله، والذي قال أحد أصحابه عنه: لقد كان فينا كأحدنا.

أترك تعليقاً

التعليقات