الفكر الخوارجي أمسِ واليوم
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ثمة تحدٍّ أمام الحركات الإسلامية التي تدعي التسامح والانفتاح في حين تراها عاجزة عن تحديد منطلقات فكرية مؤصلة تحدد هويتها الفكرية وخطابها.
إن ما يميز الخطاب الفكري لبعض الحركات الإسلامية في العالم العربي التي تدعي التسامح والانفتاح وغيرها عن الحركات العنيفة، لا يتجاوز مسألة الشعار، في حين تظل البنية قائمة كأنها بنية عنف نائمة ومحتملة.
ولا يخفى على القارئ أن هذه الحركات في نشأتها الأولى داخل دول موصوفة بالشمولية والاستبداد كانت قد تلقت ضربات قاتلة، ساهمت بشكل من الأشكال في انشداد هذه الحركات في خيارات العنف المضاد. مما أهل المناخ لتبلور خطاب محنوي تكفيري انعزالي بلغ مداه مع التيارات التي جعلت من العنف وسيلتها الوحيدة في تصفية حساباتها. فهذه الخطابات كانت تقتات على هذه الأدبيات المحنوية التي يمكن تكوين صورة عنها من خلال عناوين مثل «الإخوان المسلمين في السجن الحربي» أو كتاب: «لماذا أعدموني» وغيرها من هذه المنشورات التي حولت المشروع الإسلامي من دعوة إلى التربية والتخليق والإصلاح إلى دعوة للانتقام والتكفير.
ولكن علينا أن نعترف أن هذا السبب ليس كافياً لخلق هذه الحركات العنفية، وذلك ما يحتم على الباحث الاعتراف بأننا أمام بنية فكرية مشتركة يلعب فيها الشرط الموضوعي دوراً أساسيًّا في ظهور أو غياب ظاهرة العنف لدى الحركات الإسلامية. وهذه البنية للأسف التي أصبحت كالسرطان داخل الجسم العقائدي لهذه الحركات لم تستطع القطع مع الخطاب الخوارجي الذي عاد إلى الواجهة في خطاب بعض الحركات الإسلامية الذي يصرف بأشكال مختلفة، تارة دفعة واحدة وبالجملة، وتارة بصورة مخاتلة وبالتقسيط.
لا نتحدّث هنا عن الخوارج كفرقة كلامية أو طائفة دينية، وإنما نتحدّث عن بنية خطاب يمكن أن تجده في صلب مختلف أدبيات بعض الحركات الإسلامية التي لم تقم حتى الآن بنقد ذاتي جذري لخطابها الحركي. هذا الفكر في أولى تمظهراته التاريخية والراهنة يقوم على أساس الاستهانة بمشروعية السلطة. إذ لا يخفى أن الفكر الخوارجي هو الفكر الوحيد الذي لا يرى ضرورة لقيام الدولة، وذلك بناء على الشعار التاريخي المغلوط «إن الحكم إلَّا لله»، وهو للأسف الموقف الذي ترجم بشكل صريح في فكر المودودي، وبلغ مداه مع الفكر القطبي، مما جعل فكرة الخوارج اللادولتية تستعيد الحنين إلى شكل آخر من الدّولة. وهنا أصبحنا مع دولة اللادولة في مفارقة يصعب هضمها في علم السياسة. هذا رغم أن الجواب التاريخي -كما صدر عن الإمام علي تقويضاً لهذه المغالطة الخوارجية- «كلمة حق يراد بها باطل، وقد علموا أنه لا بد من أمير بر أو فاجر». وكانت هذه بمثابة المسوغ الشرعي المغلوط الذي برر به الخوارج كل الأعمال التخريبية عبر التاريخ.

أترك تعليقاً

التعليقات