في تشخيص الداء
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لم يصب الفكر الإسلامي على مر العصور في مقتل إلا بفعل بعض المنضوين تحت لوائه، والمقدمين أنفسهم للآخرين دعاةً إليه، وحملةً لمنهجه الشامل، ومعنيين بتجسيده من خلال حركتهم في الواقع، وتعاملهم مع المحيط الاجتماعي، وما فيه من قضايا وإشكاليات، لا بد من معالجتها، والفصل فيها، من واقع الانتماء للدين، والالتزام بمقتضى الشريعة، كنظام للحياة، وأساس تربوي للإنسان، وذلك لأنهم تعلقوا ببعض أغصان شجرته الوارفة، واقتصر نظرهم وتأملهم على ذلك الغصن، وما فيه من ثمر وغيرها، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الالتفات إلى بقية أجزاء ومكونات تلك الشجرة، بقصد التعرف عليها، وتكوين تصور شامل في ذهنيتهم عنها، بحيث يستطيعون بعد ذلك أن يقدموا ما وعوه واستوعبوه وعقلوه بين يدي الناس، بالمستوى الذي لا يترك ثغرة للمعادين لهذا الدين، ولا يشوبه نقص، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام أنشطة المشككين والعاجزين، ولا يخالطه باطل، فتتلقاه العقول السليمة، والنفوس السوية بكل شوق ومحبة، وتتفاعل معه من منطلق شعورها أنه يلامس فطرتها، ويتبنى الدفاع عنها، ويهدف لتحريرها من كل قيد، وتأمين حياتها من جميع الأخطار.
والمشكلة أننا إلى الآن لم نستفد من تجارب الماضي، فنكون قد استوعبنا الدرس جيداً، إذ لانزال نكرر أخطاء من سبقونا، ونقع في سقطاتهم، وإذا ما بقي الحال على ما هو عليه فلن نحصد سوى الخيبة والفشل على جميع الأصعدة.
من هنا وجب التصدي لكل ما يطرحه هذا البعض من قضايا لا تنسجم والتوجه القرآني، الذي يحرصون على التلطي خلفه، والظهور بمظهر الداعين إليه، والناشرين لتعاليمه، والمخصوصين بنعمة الفهم له، وفضل معرفته، دون سائر المؤمنين من الناس، وقد أوصلهم لما هم عليه من قناعة واعتقاد بأنفسهم تهاون الواعين والمستبصرين إزاء ما يثيرونه في أحاديثهم، وتساهل أهل الفكر والمعرفة في كل ما يصنعونه من تصورات، ويمررونه من أفكار، ويفرضونه من أساليب وطرق في جميع المجالات، ويصدرونه من أحكام على كل شيء، لدرجة أن وسائل الإعلام تتبنى نشر وتعميم كل شطحاتهم، إلى جانب ما يقدمه لهم المنفعلون تحت تأثير داء العصبية، أو المنبهرون بشخصياتهم من دعم ومساندة عبر وسائط التواصل، ومواقع العالم الافتراضي، الأمر الذي يجعل كل مَن لم يتعرف على حقيقة الثقافة القرآنية، ولم يلم بها من جميع مصادرها يتصور أن ذلك كله هو ما يعبر عنها، ويمثل خلاصة ما لديها، وما بوسعها أن تقدمه للحياة والإنسان.
ومن نعم الله علينا أن سبيل التعرف على أسس ومبادئ ومقومات الثقافة القرآنية متاحٌ للجميع، وليس حكراً على أحد، كما أنها إلى جانب ما تقدمه من سعة وعمق في بعدها النظري، تمنح المستهدي بها النماذج العملية التي تحقق لتجربته الغنى والقوة، وتضمن له الثبات والاستقامة في كل الظروف، وذلك أنها تربطه بأئمة الحق، وأعلام الهداية، وتحرره من أسر الأحبار والرهبان، وفقهاء الغواية، ودعاة الضلالة والجور.

أترك تعليقاً

التعليقات