سقطات الحاضر؛ كيف نتجاوزها؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
عمل الظالمون والمستكبرون عبر التاريخ، على تعميم ثقافة الانهزامية والضعف في الذهنية العامة لجماهير الأمة، حتى ساد في وعي حملة الحق تصورٌ مغلوط، مفاده أن الحق لا يمكن له أن ينتصر، وأنه من المستحيل أن يأتي اليوم الذي نرى فيه الحق وقد عم نوره الوجود، وشمل بتعاليمه وأحكامه وثقافته وبركاته الساحة الكونية برمتها، وبات يسوغ الواقع بناءً على ما يختزنه من قيم ومبادئ، ويصنعه على صورته شكلاً ومضموناً، فبدأت الثقافة العارية عن الصحة هذه تخرج للعيان، عن طريق الكم الهائل من الكتب والشروحات والمؤلفات، التي سعت من خلال ما اشتملت عليه من قضايا وأفكار إلى جعل ما يعيشه أهل الحق من ذلة وهوان وغربة واضطهاد وظلم وتنكيل، ما هو إلا سنة من السنن الإلهية التي جُبلت عليها الحياة الإنسانية، شأنها في ذلك شأن بقية السنن والقوانين والنظم الحاكمة لحركة الكون، تماماً كما هو الحال في مسألة تعاقب الليل والنهار،  الذي لا سبيل لتغييره أو التمرد عليه.
وقد كان الدافع وراء مثل هذه الكتب والأحاديث هو الخوف من الدخول في مواجهة مع الاستكبار والاستبداد والانحراف والظلم، الذي هو برنامج جميع قوى الباطل في كل عصرٍ ومصر، إلى جانب سيطرة تلك القوى على مجمل الدوائر الفكرية والثقافية، مع بث الكثير من الأخبار لدى الرأي العام، التي تحكي معاجز وكرامات وقدرات الحاكم أو الأمير أو الوالي الخارقة، منها على سبيل المثال تلك الترهات التي كان يبثها الجهاز الحاكم في زمن المنصور العباسي التي ورد في إحداها أنه كان يمتلك مرآة يستطيع من خلالها رؤية مخابئ معارضيه والمناهضين لحكمه.
وقد يُقدم الظالمون للناس بأنهم أهل زهد وتقوى وورع، كأن يقال عن فلان من الناس: كان يقرأ القرآن في ركعة، أو كان يصلي ألف ركعة في الليلة الواحدة، أو كان يقرأ القرآن ويبكي حتى تتصاعد من فيه رائحة الشواء نتيجة احتراق كبده وتلظي أحشائه خوفاً من الله أو اشتياقاً لرسوله الكريم، أو لوعةً على فراقه، وإن فلانا كان يحج عاما ويغزو عاماً.
وهكذا يصبح الإذعان لظلم أولئك والخضوع لجورهم وتسلطهم ديناً يدين العامة من الناس الله به، إذ كيف لهم أن يعترضوا على مَن يقيم ليله بالصلاة وتلاوة القرآن كله؟ وأنّى لهم أن يرفضوا حاكماً مبشراً بالجنة؟ أو يفكروا مجرد تفكير فقط بالانقلاب على من يوزع سني عمره مناصفةً بين حج البيت، والجهاد في سبيل الله؟
وهكذا تجد غالبية المدارس الإسلامية تساوي بين الحق والباطل، وتجعل المحق والمبطل على درجة سواء من المنزلة والفضل، هذا إن لم يدفعها تعصبها لأهل الباطل إلى النيل من أهل الحق، وتجريم تحركاتهم ونشاطاتهم في مواجهة ما كان عليه الواقع من بغي وفساد، ونتيجة هذا كله يتصاعد النفور في أوساط المجتمع من الدين والتدين، ويصبح مَن ينادي بالاعتماد على الله، والثقة به سبحانه، والتوكل عليه، والعمل على إقامة الحياة بكل تفاصيلها وفق ما أراده وبينه في كتابه، محطاً للسخرية والتندر، كما يصبح حملة الحق في وضعية المجبر على التنازل عن جميع قناعاته وأفكاره وعقائده، لكيلا يقال عنه: متخلف ورجعي وأصولي وغير ذلك... ومن ثم يتوجه للانسلاخ عن جلده، والتنكر لأصوله وثوابته شيئاً فشيئاً، حتى يذوب في الآخرين ويصير مجرد تابع لا هوية ولا شخصية ولا إرادة له ولا قرار أبداً.
وعليه إذا أردنا تجاوز معضم سلبيات وسقطات الحاضر فعلينا تصويب النظرة من الأساس للماضي، فكل انحراف أو فهم مغلوط، أو ضلال أو جنوح لتماه مع الباطل، أو التعايش مع الظالمين اليوم، لا يمكن معالجته أو القضاء عليه إلا إذا عملنا على استئصال جذوره التي نمت في الماضي، وقدمها لنا المؤرخون كمسلمات لا يجوز تناولها بالدرس والمناقشة، فوُجدت بموجب ذلك أجيال تقدس الخرافة والجهل، وتحارب الحقيقة أينما كانت.

أترك تعليقاً

التعليقات