شياطين تحت رداء النبوة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لم يتمكن المستبدون والطغاة من سلاطين وأمراء الجور عبر التاريخ الإسلامي من بسط نفوذهم وتوطيد وبناء أركان ودعائم دولهم بالمال، ولا بالسيف كذلك، لكون القوة العسكرية والمالية لا تستطيع فرض أولئك الأمراء والسلاطين على القلوب والعقول، الأمر الذي جعل كل حكام الجور بدءاً من معاوية يسعون لفرض وجودهم وولايتهم على الناس تحت عنوان ديني، وذلك لإدراكهم أن سيف العقيدة أقطع للأعناق من سيف العسكر، وأن منطق الدين سواءً كان دين الله أو دين الفرعون هو الأقدر على احتلال القلوب، وترويض النفس وتطويعها للمعبود، لاسيما إذا ما تم خلع جبة الأنبياء على الشياطين، وصعد الظالمون على رقاب المخلوقين باسم خالقهم العدل تبارك اسمه.
لذلك نجد أن أول ما يعمله البلاعمة والأحبار في كل زمن ومصر هو البحث عن شرعية دينية للخلفاء والسلاطين والملوك.
لقد قلنا: إن معاوية هو أول مَن سلك هذا المسلك، فبعد أن تعلّم معاوية تأويل القرآن ليوافق هواه، بحث ووجد من وضع له الأحاديث التي تهدّد وترغّب في طاعة الخليفة، واستمر الحال حتى بدأ التدوين في العصر العباسي، وراجت أحاديث طاعة الخلفاء والسلاطين والأمراء والملوك، وهي كثيرة بالعشرات من الأحاديث المزورة، نذكر نماذج منها:
عن أبي بكرة الثقفي (رض) قال: سمعت رسول الله (ص) قال: من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله (رواه الترمذي).
عن عياض بن غنم (رض) قال: قال رسول الله (ص): من أراد أن ينصح لذي سلطان بأمر فلا يبده له علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل فذاك، وإن لم يقبل فقد أدى الذي عليه (رواه ابن أبي عاصم).
عن أبي ذر (رض) قال: إن خليلي (ص) أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا مجدع الأطراف، وفي لفظ آخر عند ابن أبي عاصم بسند صحيح اسمع وأطع لمن كان عليك (رواه مسلم).
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك (رواه مسلم).
عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصى الأمير فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله (متفق عليه).
تلك بعض الأحاديث التي تحض على طاعة الحاكم، ولم تكن عصور النهضة الإسلامية خلال الدولة الموحّدة (بخلاف الدولة الفاطمية التي كانت دولة علم وعقل وتنوير)، بل خلال الدول شبه المستقلة، كالدول الحمدانية والسامانية والناصرية في الأندلس، أو الزيدية وسواها عندنا. وكانت أحاديث طاعة الخلفاء والملوك من أسباب خمود الهمّة الإسلامية ودخولهم في بيات شتوي عشش فيه الجهل والفقر والمرض، فكانت النتيجة أن تكالبت الدول الاستعمارية لإنشاء المستعمرة الصهيونية في فلسطين.
والمطلوب هو العودة للميراث الحضاري القرآني، وهو ميراث ثوري مقاوم، ونتأكد أن المؤامرات الدولية لن تكف عن العبث بمقدّرات الأمة، ويمكن بعدها نبدأ نحن بالتدخل في الشؤون الدولية وداخل الدول الاستعمارية ذاتها، عندما نكون جادين في فهم أن فكر الاستبداد وثقافة التكفير أشد خطرًا من الصهيونية العالمية ومعها الدول الإمبريالية الاستكبارية.

أترك تعليقاً

التعليقات