الرسالة المحمدية في مشهدين
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
جميلٌ أن نلحظ اهتماماً من قبل الأحرار في بلدنا بتهيئة الأجواء لإحياء ذكرى مولد خير البرية، محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من خلال الإعداد للبرامج الفكرية والأدبية والفنية التي تهدف إلى تحقيق الاستفادة من هذه المناسبة العظيمة لدى الناس جميعاً، كما تسهم في تعزيز وعي الأمة لموقعها ودورها، باعتبار ما ستتركه معرفتها برسولها من آثار ستنعكس على الروحية، فتنضبط الخطوات، وتقوى المواقف المساندة للحق، وتستقيم الحركة العملية في كل ميدان يدعونا للتحرك فيه على أساس الرسالة والدين، وإنه لمن محاسن الصدف أن تلتقي مناسبة المولد النبوي المبارك بمناسبة الذكرى الثامنة لثورة الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر المجيدة، إذ سيؤكد هذا التقارب الزمني بين المناسبتين من حيث الإحياء لكليهما والاحتفاء بهما كلٌ على حدة مع وجود فاصل زمني قصير بين الاحتفاءين مدى ما بينهما من صلات وروابط قوية ووثيقة، لم تكتسب بفعل التقارب الزمني بينهما، فشجعنا ذلك على محاولة منح الصدفة الزمنية بعداً فلسفياً، وإنما كان الدافع لهذا الاستنطاق هو: إبراز شيء من ملامح الصورة الواحدة، التي تتجلى في موقعين مختلفين زمنياً، ومحطتين تاريخيتين يفصل بينهما بالنظر للحظة الحدوث أربعة عشر قرناً، ولكنهما ينبعان من مشكاةٍ واحدة ويمثلان التوجه الواحد، ويسعيان لذات الهدف، ويحملان الفكر والهم ذاته، إلا أن الاختلاف يكمن في: أن الرسالة المحمدية مولداً ومبعثاً ووحياً وهجرةً وجهاداً ودولةً واجتماعاً تمثل الأصل والعمق، وثورة أيلول تمثل الفرع لذلك الأصل والامتداد الذي تنعكس عليه عمق التجربة الرسالية بكل قيمها وأخلاقياتها ومبادئها الفكرية والتربوية والسياسية والاجتماعية وغيرها، كما تحكم بما اشتملت عليه من أسس وتضمنته من تعاليم جميع المواقف المراد القيام بها من قبل الثورة، التي لا تعدو عن كونها شاهداً من الشواهد الدالة على خلود الرسالة المحمدية، كحقيقة لا تموت بموت الزمن الذي شهد لحظة انطلاقها وحركتها، ولا بأس أن نتمعن في صفحة الزمن الذي تتحرك فيه ذكرى المناسبتين ما سبق أن قرره الفكر من وجود حقيقي لعلاقة بين كليهما، ولا ننسى: أن الأمور التي تكون محسوسة في الواقع أكثر قدرةً على إقناع مشاهديها بخلاف ما إذا ظلت فقط حبيسة التصورات الذهنية لمعتنقيها والدعين إليها.
ومادمنا قد وعينا مدى ما تمثله المناسبتان من صلة لكل واحدة منهما بالأخرى، فلا بد من البحث في ماهية التحديات والعقبات التي تقف بوجه ثورة أيلول، من خلال ما توحي به التجربة النبوية كونها المرجع والأصل الذي تستند إليه ثورتنا، مع الاستشهاد بما يزخر به الواقع الميداني لحركتنا من شواهد دالة على ما نود سبر غوره من قضايا وإشكالات، ولعل أبرز ما يمكن التوصل إليه هو:
إن كل حركةٍ رساليةٍ قامت بثورة اجتماعية، وهدفت إلى تغيير الواقع وإصلاحه، وفق ما يقرره مبدأ التوحيد لله تعالى، الذي يخلق وحدة في النفوس والتصورات لمعتنقيه، عن الإنسان والعالم الكوني كله، باعتبار الجميع داخلين في مالكية الله ومربوبين له، لن يستطيع العدو الظاهري هزيمتها مهما كانت قوته، وأياً كان مستوى نفوذه، ومهما بلغت قدرته على فرض سيطرته على المجتمع، ومدى تمكنه من عزل الرساليين عن الغير، بتكوين تصور ذهني لديهم مغاير لما عليه الرساليون في دعوتهم، وما يهدفون إليه في تحركهم وجهادهم، وهذا ما نراه واضحاً بانتصار الإسلام على الشرك بكامل قواه وتشكيلاته، بقيادة رسول الله صلى الله عليه وآله، الأمر الذي دفع المشركون للدخول في الإسلام، وما هي إلا قرابة عشرين عاما على وفاة النبي الأكرم حتى عادوا من جديد لفرض تصورهم على الناس، ولكن هذه المرة قد إلبسوا شركهم وجاهليتهم لبوساً دينية، ولم تعد حركتهم الظاهرية تدعو لعبادة اللات والعزى وغيرها، بل صارت باسم الله ورسوله، فمعاوية مثلاً في صفين لم يقل هو وجيشه أعلُ هبل، وإنما بادر لرفع المصاحف على أسنة الرماح، مما أدى في نهاية المطاف إلى أفشال حركة الإمام علي (عليه السلام)، ولم يكن ذلك إلا نتيجة التمكن القرشي من التخفي بالدين، ليسهل عليهم بعد ذلك الانقلاب عليه من داخله، بينما لو كان شركهم ظاهرا كما كان ذلك مع النبي، لتم القضاء عليهم.
من هنا يتبين أن قول البعض عن سبب فشل الحركة العلوية في إقامة المجتمع المسلم الحق والنموذج الكامل كان بسبب رفض الإمام لمهادنة الباطل، وشدة صراحته بالحق ليس صحيحاً، إذ كان ذلك أيضاً في رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن الصحيح هو: اختلاف التيارين الممثلين لدين الشرك في المرحلتين، وهذا هو الخطر الذي لايزال محدقاً بنا، ويزداد تنامياً يوماً إثر يوم، مستغلاً شدة غفلتنا عنه، وانشغالنا بما سواه.

أترك تعليقاً

التعليقات