أرجو أن أكون منهم
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
وحدهم يتقلبون على جمر لظى المأساة، محتضنين بقايا أملٍ، عهد به إليهم ذات يومٍ فكرٌ نابهٌ، اغترفه من بئر الحقيقة، فتلقفوه بشغفٍ، والتزموه بوعيٍ، بعد أن تشربوه على مكثٍ، فسرى بكل جزءٍ من كيانهم، محدثاً في قلوبهم هزاتٍ وهزات، أفاقت خلالها ضمائرهم، بعد أن كانت في حالةٍ من السكر بكؤوس من الغفلة، أفقدتها توازنها، فظلت تعيش واقعاً أشبه ما يكون بواقع العدم، لا شيء فيه يدل على أثر لوجودها، إلى أن اجتاحت عالمها صرخةٌ بددت كل الحجب، وأزاحت كل الموانع عن الأسماع والأبصار والأفئدة، صرخةٌ أقامت قيامتها فخرجت من سجونها الكثيرة إلى ساحة العمل، والنهوض بالمسؤولية في كل مجال من مجالات الحياة، صرخةٌ أعادت للنفوس توازنها، وبعثت فيها الإرادة والاختيار، مجددةً فيها ما بليَ من ميثاق الفطرة، وآخذةً بيدها إلى صراط الله المستقيم، ودافعةً بها إلى ميدان المعرفة لله، من موقع الوعي لكلمة التوحيد، التي يترتب عليها الفلاح في الدارين، لذلك كان لزاماً على مَن استفتح منطلقه على أساس هذه الكلمة، أن يظل باحثاً عن مصاديقها، متأملاً في دلالاتها، قارئاً لآياتها في الآفاق والأنفس، لكي يستقر بذهنه أن لا عظمة ولا ملك ولا قدرة ولا إرادة ولا سلطان فوق عظمة وملك وإرادة وقدرة وسلطان الله جل جلاله.
وهكذا علموا أن لا إله إلا الله، فاتخذ كلٌ منهم موقعه العملي، القائم على ذلك العلم، والساعي لتأكيده في حياة وواقع الناس، إذ باتوا مدركين أنه لا بد من خوض حربٍ طويلة الأمد، حتى يتسنى لهم وضع الأسس اللازمة لإقامة دين الله، واستعادة جوهر الإنسانية من أيادي اللصوص والكهنة والفراعنة والقوارنة والبلاعمة والشياطين الكبار والصغار، وعليه انقسموا إلى فريقين، كل فريق يكمل الآخر، ويعزز وجوده، ويحفظ آثاره، ويصون عهده، ويرعى أمانته، هذان الفريقان هما:
* رجال المتاريس: المعطون من دمائهم أنهاراً تسقي الحقيقة، والجاعلون من أرواحهم ردماً يحول دون تمكن المفسدين في الأرض من رقاب الناس ومصائرهم مجدداً.
* رجال الكلمة: الذين يقطنون بين الناس، ويقاسمونهم آلامهم وآمالهم، ويكتوون بنار معاناتهم، وهم أبداً الذين يرفضون الانتقال من زوايا وباحات الأرصفة، التي تمكنهم من النظر في واقع وأحوال الناس، إلى زوايا القصور، وباحاتها، على الرغم من حجم ومستوى الكلفة التي يدفعونها في سبيل ذلك الموقف، كضريبة على ما أقدموا عليه من اختيار، وأرجو أن أكون منهم.

أترك تعليقاً

التعليقات