الله والملأ
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
دأب المنقلبون على أعقابهم، الناكثون لعهد الله عبر التاريخ، على التمترس خلف كل ما يوحي بالعظمة والقداسة، ويعبر عن الحق والعدل والكمال. ولكن دون أن يلمس الناس تجليات لتلك الأشياء التي يتمترسون خلفها في واقعهم، وشيئاً فشيئاً تفقد عظمتها وجاذبيتها في نفوس الناس، وتصبح علاقتهم بها علاقة شكلية، باعتبار ما ألفوه واعتادوا عليه، فليس سوى شيء من الوهم، يتعاطون معه لمجرد التسلية والقضاء لأوقات الفراغ!
وهكذا تصبح آيات الله، ومبادئ دينه وأسسه ومعانيه ومظاهره، سوطاً لجلد عباده، الذي ما شرع سبحانه هذا الدين إلا لتخليصهم مما هم فيه من شقاء وظلم وفقر واستعباد وسخرة، وسيفاً مسلطاً على رقابهم، بفعل إمساك الذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون: هذا من عند الله، لزمام الحكم، ويجعلون علاقة الناس بالرسل والهداة علاقة عرق ونسب، كل ذلك ليتمكنوا من فرض سطوتهم، ومد نفوذهم، وتعزيز قوتهم على الواقع، باعتبارهم دين يدين به الناس لله.
ولكي يتجلى لك الفرق بين دين الله، ودين الملأ، ابحث عن عوامل بعينها، فإذا ما وجدتها كان ذلك شاهداً على أنك في ظل دين الله، وإذا لم تجدها كان عدم وجودها أوفى دليل على أنك تعيش في ظل دين الملأ. ولعل أبرز تلك العوامل هي:
• السعي لإقامة القسط بين الناس، وإرساء قواعد العدالة في واقعهم، على أساس الحق، الذي تضمن الوحي كل مفرداته، ورسم الخطة العملية لتنفيذه على الأرض. وقد سجل لنا القرآن الكريم مدى الجدية والإخلاص والتفاني الذي صاحب حركة الأنبياء في سبيل تحقيق هذا الهدف، وطبيعة الجهات والقوى التي واجهوها إلى جانب المستضعفين والفقراء والمحرومين، الذين كانوا ولا يزالون عماد التغيير ولبنة البناء لأي مجتمع، ولا صلاح للحياة من دونهم.
• العمل على هداية المجتمعات، وتزكيتها، وتعريفها بآيات الله، واحتضان كل مشكلاتها وهمومها، والقرب من كل ساحاتها وطبقاتها، والتعامل مع أبنائها بكل محبة ورفق، لأن القضية قضية تغيير وبناء، وما دامت كذلك فإن الطريق لتفعيلها هو: امتلاك قلوب المخاطبين، قبل مخاطبة عقولهم، وإذا ما أُغفل هذا الطريق، واتجهنا لفرض قناعاتنا بهيبة السلطان وقوة السيف، فإن كل ما سنفعله، وإن بدا لنا اليوم مرضياً وطيباً، فإن أبسط اهتزاز، أو حركة للرياح، لكفيلٌ بالقضاء على كل ذلك، وتحطيمه، وكأنْ لم يكن من حيث الأصل.
• إزالة كل العقبات والمعوقات والعراقيل التي تحول دون بلوغ أي فرد من أفراد المجتمع مرحلة السمو والكمال الإنساني، سواءً كانت تلك العقبات والمعوقات والعراقيل ناشئة عن قصور سياسي أو فكري، أم ناشئة عن وجود خلل نفسي أو اجتماعي.

أترك تعليقاً

التعليقات