سر قوتهم
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
هناك تجارب لاتزال حية متحركة، وإن لم يعد الذين صنعوها موجودين بيننا بأجسادهم، لكن تلاشي الجسد وانسكاب الدم على طريق ذات الشوكة أكسبهم وجوداً أكبر من كل وجود في واقعنا، وحقق لهم حياة أكمل من حياتنا، لأن كل خطوة قطعوها وكل كلمة قالوها وكل طاقة أعطوها وكل جهودهم التي بذلوها كانت بحق هي نقطة تركز الوجود الكامل والتام للذات التي تلتقي فيها كل المبادئ والدوافع والغايات التي تقود صاحبها نحو الهدف الكبير، وهو رضا الله تعالى، ومن هذه التجارب تجربة حزب الله، الذي نجد أن كل ما تركه الشهداء من أفكار، وحققوه من منجزات أمور لاتزال تحظى باحتضان موجديها الذين يسيرون على درب من سبقهم باستقامة وعزم، ولم يطرأ عليهم أي عامل ليتغيروا على مستوى النفسية أو يغيروا ويبدلوا في قناعاتهم وفكرهم أي شيء مما قد يحول الإيجابيات إلى سلبيات، فهم المخلصون للخط والنهج والدم، فلا انحراف ولا ضعف ولا توقف عن السير على درب العزة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
لذلك لن يتمكن العدو المستكبر الأمريكي والصهيوني ومَن معه من أراذل الأعراب ومنافقي الأمة من هزيمة هذا الحزب الحي المتجدد القوي الفعال المتجذر في أعماق الأرض، الذي لم يكتف يوماً بالانفعال المتوقف على تحريك الحس وتثوير الشعور والعاطفة، وإنما كان ولايزال يسعى لعقلنة تلك الأحاسيس والعواطف بغرض تحريك الفكر الذي يترتب عليه حدوث الفعل الواعي والتام في سياق العمل الجهادي المقاوم، ليكون كل ما ينتج عن حركتهم متناً في الحياة والتاريخ وأصلاً من أصولهما، وليس هامشاً يختفي باختفاء من كوّنوه واستراحوا إليه.
لم ينجر الحزب الحر الشريف إلى مربع الهوان والذل والاستسلام، ولم يستغرق نفسه بالتفكير بقوة العدو المادية، فينصاع إلى حظيرة التطبيع، ويبيع القضية تحت تأثير الشعور بالضعف مقارنةً بما لدى العدو. ولكنه أبى إلا أن يكشف عن سر قوته التي تقوم على الحق والعدل والجهاد والمقاومة والتحرير للأرض والإنسان، والدخول في عقل بيئته وقلبها، ليصبح خيار الجهاد والمقاومة للعدو الصهيوني خيار مجتمع وليس خيار جماعة.
إن قوة حزب الله كما يقول رجاله، ويؤكد الميدان قائمة على عدة قواعد، أبرزها:
الإعداد، يقول تعالى في القرآن الكريم: «وَأعدُوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَ اللَّهِ وَعَدُوكُمْ». يقول الشيخ نعيم قاسم: لقد فهمنا من الإعداد هنا أنه إعداد الاستطاعة لا إعداد التوازن العسكري، وبالتالي فلو استطعنا من منطلق الإيمان أن نعدّ السكين فقط فواجبنا أن نتحرك بما استطعنا له، والله تعالى لا بد أن ينصرنا، أما كيف؟ فهذه تفاصيل لها علاقة بالإيمان بالغيب، وما يمكن أن يوفره الله تعالى من ظروف تؤدي إلى تدافع الآخرين في ما بينهم لتضعف قوتهم، قال تعالى: «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالِمينَ»، كما أننا في جبهة لا نقيس فيها إمكاناتنا في مقابل إمكانات الاخرين بل نحن في جبهة تستخدم الإمكانيات التي توفرت لديها، وقد يُيسّر الله تعالى إمكانات كثيرة تضعف من إمكانات العدو، «وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى».

أترك تعليقاً

التعليقات