لن تسقط الراية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ما يحدث اليوم في منطقتنا ليس بدعاً من أحداث التاريخ، وحتى وإن تعددت الوجوه، فإن تعددها لا يلغي حقيقة أن أصل الصراع وكنهه هو صراع الحق والباطل. وإذن، فالاختلاف هو في الإرادات والخيارات، فحينما اختارت الأمة الخنوع والذل ولى الله عليها منها وشبيهاً لما هي عليه، وعلى طول التاريخ الإسلامي، إذ تعاقبت عليها أنظمة مستبدة استخدمت الدين وسيلة لضرب الدين وامتلاك الدنيا، لكن بشعارات الدين نفسه، فحينما تم تقليص الدين إلى مجرد عبادات فارغة وابتعد الناس عن مقاصده وغاياته وكنهه ومحتواه، جاءهم ولاة حافظوا على هذه القشور كي يضمنوا ملكهم، لكنهم ولاة لم يختلفوا أبداً في غيهم وظلمهم وجبروتهم وأكلهم لأموال الناس عن أولئك اللادينيين، ولحرص الناس على الدنيا بحجج دينية، التزموا الصمت حتى عاشوا مقهورين وهو موت في حقيقته.
لكن الحق ظل موجوداً بفضل وجود تلك القلة التي اختارت دوماً أن تموت قاهرة، وهي ميتة بعز وكرامة، بهذه القلة استمرت مسيرة الإنسانية في تكاملها بين ركام الباطل، تشق طريقها الوعر بين وحوش السلطة وطلاب الدنيا كي توصل لنا ما وصل من بقايا حق وحقيقة.
وهكذا ظلت راية التوحيد عالية، وهي راية تختلف أيما اختلاف عما تكرس في الذهن لهذه الكلمة من معنى بفعل الدواعش وإخوانهم! إذ  ليست هناك لقلقة لسان بالتشهد بـ»لا إله إلا الله»، كون الطواغيت على مر الزمان كانوا يصلون في المساجد ويذكرون لا إله الا الله بألسنتهم، بينما قلوبهم تمجد فرعون منهجاً ومسلكاً، بل هي لا الرافضة قولاً وفعلاً لإله غير الله، وهو ما حفظ لنا خطاً مقاوماً للذل والخنوع ورافضاً للفراعنة على مر التاريخ، خطاً ارتبط بالسماء فمارس ارتباطه على الأرض محققاً كل مقاصد السماء في ذاته ومجتمعه ومحيطه حتى بذل لأجل وصول الحقيقة لنا نفسه وكل ما يملك.
لذلك لا غرابة اليوم وفي زمن الطوفان، الذي بات فيه الخيار هو إحياء منهج الرفض ومقاومة الذل متبنىً من قبل قيادة وجمهور ونخب، أن نرى اشتداد أوار حرب المستبدين وانكشاف الستار وسقوط الأقنعة عن وجوه أولئك المتسترين بالدين، فحينما تحقق النصر على الكيان الصهيوني، وثبت بالدليل والبرهان هشاشة جيشه المزعوم أنه لا يُقهر، وخرجت الأمة من وهم ضعفها الذي رسمته حكوماتها وشرعنته فتاوى السلطة، إلى حقيقة ما تملكه من قدرات وبدأ ماردها الداخلي يتحرر من سلطة فرعون ويكتشف قدراته وآثار كلمة، لا  الحقيقية، قامت قيامة تلك الأنظمة خوفاً على كراسيها من الزوال.
وعليه بدأت رحى المعارك المضادة بالدوران من سورية، معركة مضادة لنهضة الأمة وتم شرعنت القتل والذبح والسبي والعودة إلى الجاهلية الأولى بفتاوى البترودولار، ومازالت محاولات إعادة الأمة إلى حظيرة النعاج مستمرة، وهو ما يتطلب منا اليوم وضوح خياراتنا، فتهديدنا بالأمن والاستقرار والموت وتخييرنا بينه وبين حريتنا، يجب ألا يجعلنا نتراجع عن الاستمرار في عملية التحرير الكبرى التي بدأت بسقوط هيبة الجيش الصهيوني عند أقدام المقاومين والشهداء الأبرار.
وأخيراً: إن الدماء التي سقطت في هذا الطريق هي أمانة في أعناقنا، وإكمال مسيرة النهوض والتحرر التي سقطت لأجلها هذه الدماء الطاهرة مرهون بخيارنا وإرادتنا، فإن اخترنا الدنيا وخوفنا من الموت كنا أحكمنا حلقة الفراعنة على أعناقنا وبات موتنا في حياتنا مقهورين، وضيعنا تلك الدماء الطاهرة التي سقطت في عملية التحرير، وأخرنا مسيرة رفع الظلم وإرساء العدالة. أما لو قررنا أن نضحي ونستمر ولا نخضع لتهديدات الموت والإذلال والاضطراب الاجتماعي، فإننا نمضي سريعاً نحو بزوغ فجر الحرية وانجلاء الغبرة عن الشمس لتشرق من جديد، أعني شمس الحق والحرية والعدالة والنهضة.

أترك تعليقاً

التعليقات