في رحاب الرحمن.. النفحة الثامنة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ها نحن وجهاً لوجه مع اللغويين والمفسرين باعتبار كلينا طرفي نزاع. وها هو ‏صاحب الدراسة التي بين يديك عزيزي القارئ، يقدم من خلال كتاب ‌‏"الرحمن اللغز الأكبر" عريضته. واللافت في هذه الجلسة المنعقدة لبيان مَن ‏هو صاحب الحق من الخصمين؛ أي: مَن الذي سيخرج مداناً، ومَن الذي ‏سيخرج وقد كسب الفضل والخير والثواب، ويقال له: لقد انتصرت للحق؛ ‏اللافت هو: أن القاضي هو الرحمن، والمحامي هو القرآن، وصاحب الدعوى ‏نشوان محسن دماج من خلال كتابه يقف وحيداً، بينما الخصم المقابل ليس ‏فرداً، وإنما عمائم وشخصيات ومدارس وطبقات من كل عصر، وكلهم ‏أصحاب نفوذ وسلطة علمية وسياسية وعقيدية، ولديهم كل شيء من عوامل ‏القوة!‏
ولكن هيهات! هكذا يصرح المدعي من خلال كتابه، وهكذا يبدو المحامي ‏المعروف بطهارته وعظمته وقداسته، وما يملكه من سعة وعمق وقدرة في ‏كشف الحق من الباطل. وهنا ومادام أن القاضي هو الرحمن فلن يهتز صاحب ‏الكتاب، ولن يلين، فقيامه بهذه الدعوى كان لك أيها الرحمن، فهؤلاء قد ، ‏حدّوك، وحجّموك، وسلبوا اسمك العظيم هذا، الذي يبدو من خلال وروده في ‏كتابك الكريم اسماً مستقلاً بذاته، لا علاقة له بالأسماء النعوت، فجعله هؤلاء ‏واحداً من تلك النعوت، ملبسين له معنى الرحمة، جاعلينه والرحيم بمعنى ‏واحد. وهذه آياتك البينات التي هي كلماتك، وحبلك الممدود، والتي تضمنها ‏القرآن، تشهد بأنك اخترت اسمين من أسمائك، للدلالة عليك، والتعبير عنك، ‏كذات عظيمة متعالية قادرة مستحقة للعبادة متفردة بالوحدانية والملك ‏والسلطان، بيدها مقاليد الأمور كلها.‏
ومع ذلك ضرب اللغويون والمفسرون صفحاً عن القرآن، فاحكم بيننا، وأنت ‏الرحمن المستعان عليهم وما يصفون.‏
هذا اسمك سيدي المختص، هو واسمك العظيم الآخر (الله)، الاسم هذا سيدي ‏هو الرحمن، قد تعرض على يد هؤلاء إلى الظلم الكبير، فلماذا ذهبوا بعيداً، ‏وهجروا كتابك، وجاؤوا بما ليس منه، ونسبوا الاسم لما هو مختص بسواه؟!‏
لم يكلفوا أنفسهم القيام بأدنى جهد في إعمال العقل والقلب بالسياقات القرآنية ‏التي ورد فيها اسم الرحمن. ولو فعلوا ذلك لتبيّنَ لهم أنه ليس مختصاً بمعنى ‏من معاني الصفات، وإنما يعبر عن ذاتك بمفهومها الشامل الكلي المطلق، ‏ولتبيّنَ لهم أن "الله" و"الرحمن" يشتركان بالتعبير عن هذا المفهوم الكبير الذي ‏لا ينازعك عليه أحد، ولا يكون سوى لك، ولا يدل إلا عليك.‏
فنحن وهم نقرأ في القرآن أكثر من خمسين شاهداً على أنهما يأتيان للتعبير عن ‏المعنى ذاته، من مثل:‏
قل هو الله - قل هو الرحمن، عباد الله - عباد الرحمن، أعوذ بالله - أعوذ ‏بالرحمن، ما يمسكهن إلا الله - وكذلك إلا الرحمن... كما أن كلمات مثل: عذاب ‏وسجود ودعاء، وكل صيغ الوعد والوعيد، ومعاني وسياقات القرآن المعبرة ‏عن القوة والعظمة، والمقدمة لمباني وأسس الوحدانية، تأتي مضافة لكلا ‏الاسمين، ومعهما في كل ذلك.‏
لكن كيف لي أنا المتتبع لكل السياقات القرآنية المتضمنة لـ"الرحمن"، والتي ‏تقول بأن لا علاقة له بالرحمة، مادام سيبويه والطبري وأمثالهما قد جعلوه ‏يعبر فقط عن معنى الرحمة؟!‏
سيدي الرحمن؛ إنها سطوة الثقافة الشركية، التي بذلت كل ما لديها لتغييب ‏اسمك، وطمس معناه، وإنزاله منزلة الصفات.‏

أترك تعليقاً

التعليقات