في رحاب الرحمن.. النفحة التاسعة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
«الرحمن.. اللغز الأكبر» مجدداً عزيزي القارئ زادنا وماؤنا، فأعرني عينيك وقلبك لتتم الفائدة، فالكتاب الذي بين يديك هو حجة علينا وعليك، ولا هدف لصاحبه سوى إبلاغها إيانا.
فاطمئنْ، كون المسألة ليست ترفاً، ولسنا هنا للتسلية وقضاء الوقت في ما لا طائل منه، وإنما هي الأمانة، وشرف التحمل لها كمسؤولية، هو الذي جعل صاحب هذه الدراسة عاكفاً عليها لأكثر من ثمانية أعوام، ودفعنا لأن نضع عرضاً موجزاً لها بين يديك خلال هذه الأيام المباركة.

شيءٌ من عمى
ترك اللغويون والمفسرون كل السياقات القرآنية التي ورد فيها الاسم «الرحمن» منفرداً، وهي كلها سياقات تدل على أنه اسمٌ دال على الذات الإلهية بمفهومها الكلي المطلق، تماماً كالاسم «الله»، والتفتوا فقط لمجيئه مقترناً بلفظ «الرحيم» في البسملة، فحكموا عليه بأنه يعبر عن المعنى الذي يعبر عنه «الرحيم»، ولولا شيءٌ من العمى العقلي والقلبي الذي سيطر عليهم؛ لأدركوا أن وروده في البسملة وفي أربعة مواضع أخرى مقترناً بـ»الرحيم» لا ينفي استقلاليته كاسم ذات، كون اقترانه بـ»الرحيم» هنا يقوي ما ذهب إليه صاحب الدراسة، وينفي ما ذهب إليه كل هذا الجمع من لغويين ومفسرين.
وهكذا صار الأمر، ففي حين كان من المفترض عليهم العمل على إزالة اللبس، مستفيدين من اقتران «الرحمن» و»الرحيم» ببعضهما في البسملة، كون الله عز وجل منزهاً عن وقوع كلامه بما يقع به العباد في كلامهم، كالحشو للفظين أو مفردتين بموضع واحد لا دلالة لوجودهما معاً سوى تلك التي يؤديها كلٌّ منهما بمفرده؛ فعمقوا الالتباس، وزادوا الأمر تعقيداً وغموضا.
وليتهم وقفوا فقط على كلمة «عباد» في القرآن؛ إذ لو فعلوا ذلك لأدركوا أن إضافة هذه المفردة لا تأتي إلا مع اسمين فقط، هما: «الله» و»الرحمن»، الأمر الذي يؤكد أن «الرحمن» اسم ذات، وليس له علاقة بالنعوت.
لكنهم أصروا على استنتاجهم الخاطئ، فوقعوا في الورطة أكثر، وذلك عند تناولهم لبيان معنى البسملة؛ إذ أصروا على أن مفردة «الرحمن» ليس لها إلا أن تكون اسماً دالاً على المعنى الذي فصّلوه لها هم، بناءً على افتراضهم أنها مجرد اسم تم اشتقاقه من جذر لغوي ما، وعلى وزن معين، وعليه فذلك الجذر وذاك الوزن هما اللذان يمنحانها معناها وحجمها، هذا بحسب وجهة نظرهم هم، وكما يمنحان غيرها من المفردات التي تأتي على الوزن ذاته، كنعسان وغضبان وعطشان... وغيره. ولم يقع اللغويون والمفسرون في الارتباك والعجز والفشل الذريع مع أي مفردة، كمثل ذلك الذي وقعوا به مع مفردة «الرحمن»، كونهم جعلوها بمنزلة الصفات المشتقة من فعل ثلاثي مكسور العين، وهو رحم يرحم، فألزموها معنى الرحمة، وحصروها فيه، وليس لها عندهم سواه.
لكن ذلك المعنى لن يكون له عندنا ذلك الجبروت، ولا تلك السطوة التي جعلت من اللغويين لدى الناس هم أصحاب الحق في الحكم على مفردة «الرحمن»، وجعلها بهذه الصورة، وذلك لأن معناها في القرآن واضح تمام الوضوح.
وكتاب الله أجلّ وأقدس وأسمى من كل كتاب، وما لم يوافقه فهو زخرف وإن أجمع عليه هؤلاء عن بكرة أبيهم، فهو لا يعنينا.

أترك تعليقاً

التعليقات