سُنّةٌ عابرةٌ للمذاهب
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
سنَّ الأمويون لكل البغاة والطغاة في كل زمان ومكان سُنّة لا يزال معمولاً بها من قِبلهم حتى الساعة، وهي: سلب الإنسان حريته والعمل على تحويل مساره عن كل ما له علاقة بالعزة والفضيلة، والحيلولة دون الوصول لكل هدف نبيل يطمح له كل ذي فطرة سليمة، ومَن بقي على ثباته كإنسان مؤمن، فهناك طريقتان لإخضاعه أو أخذ روحه، هما: القتل، أو التجويع.
وليس الأمر هنا مقتصراً على أتباع طائفة دون أخرى، بل لقد التزم بهذه السُّنّة السياسية الأموية كل الطغاة والمجرمين من ساسة وحكام من مختلف المذاهب الإسلامية. وينقسم هؤلاء إلى فئتين مختلفتين، هما: فئةٌ تلتزم خط ابن هند كمنهج فكري وعقيدة دينية والتزام عملي، وباختيارها؛ وفئةٌ تدعي محاربتها لمعاوية الفكر والسياسة والعقيدة والحركة والفروع والجذور، وتزعم انتسابها للمشروع العلوي، ولكنها سرعان ما تميل إلى صف معاوية حينما تصبح في موقع الحاكمية، وتصير في مركز اتخاذ القرار، إذ تنسى ما جاءت لأجله، كل ما برز أمامها أمر قد يتهدد مصالحها، ويحد من نفوذها، ويكشف عجزها، لذلك فكلتا الفئتين المتحدتين بقصد أو بدون قصد تشتركان في حمل الرغبة الواحدة ذاتها، وهي: ألا تسمح لأي صوت في الساحة بالانتشار ما دام لا يخدمها، ويسبح بحمدها، فالحق ما قالته، وما سواه باطل، ولا يمكن لها القبول بأي فكرة، مهما كانت صحيحة، ما دامت قد جاءت من خارج دوائرها، ولم يتبنها شخصٌ بارزٌ من بين صفوفها.
من هنا كان حق المخالف لدى الفئة الأولى القتل، والتجويع. أما الفئة الثانية فهي تأخذ بالتجويع فقط، لأنها لو مارست القتل لنزعت عن وجهها قناع الولاية لله ورسوله والإمام علي، وعرفها الناس على حقيقتها.
إن استهداف الناس من خلال قطع أرزاقهم وسبب معاشهم هي سُنّةٌ أموية، سنها كبير الطغاة البغاة معاوية، ويكفي هنا أن نورد نصاً لأحد كتبه الذي بعثه إلى جميع عمّاله في مختلف الأمصار، قال فيه:
«انظروا في من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته، فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه». وقد كان هذا الكتاب مشفوعاً بنسخة أخرى، جاء فيها: «مَن اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكلوا به، واهدموا داره».
إن هذا الصنف ذا الفئتين يعرف تماماً كيف يحافظ على مراكزه ومصالحه، وكيف يوجه سخط العامة بعيداً عنه، كأنْ يقوم بما قام به معاوية من إثارة للعصبية العرقية والمناطقية والعنصرية، بين جميع مكونات المجتمع، بل حتى في داخل كل قبيلة أو منطقة على حدة، أو يعمد إلى توظيف أو اختراع نصوص دينية تسهم في تقبل الناس له كما هو، وتساعد على توطينهم على الخضوع والتذلل والانكسار والانقياد لكل ما يريد دون قيد أو شرط.

أترك تعليقاً

التعليقات