إلى الحي في زمن الموات
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
إن الإيمان بالله، القائم على العلم والمعرفة بأنه لا إله إلا هو، يُعد العامل الوحيد الذي يستطيع صرف الإنسان عن ارتكاب أي ردة فعل مشين، نتيجة توقع الخطر، أو الضرر، وذلك لأن الإقرار بوحدانية الخالق، ومالكيته وقدرته المطلقة، تكسب النفس الشجاعة والقوة التي تجعلها على استعداد للمواجهة مع أي شيء، وتنزع من القلب الهيبة من كل ما سوى الله، لأنه هو فقط مَن بيده الضر والنفع، وهو سبحانه الحاكم المطلق لهذا الوجود، وكل ما عداه يظل عاجزاً ذليلاً مغلوباً، ومادام الجميع يشتركون من حيث العجز والشعور بالحاجة أمام الله، فلماذا الخشية من عاجزين مثلنا؟
إن الناس جميعاً تسيطر عليهم المخاوف ذاتها، ولا فرق بين إنسان وآخر، فالكل قد يخشى الموت ويخافه، والجميع يخاف من الفقر والضعف، وكل أشكال الحرمان، بيد أن الإيمان بالله يجعل الإنسان بمعزل عن الخضوع تحت تأثير تلك المخاوف، فلا تراه يتملق، ولا يكذب، ولا يداهن، ولا يحابي على حساب الحق، ولا يسكت على ظلم ظالم، أو فساد فاسد رغبةً بما عنده، أو رهبةً من بطشه، فالله قد ملأ قلبه، وساد على جميع كيانه، ولم يعد يرى شيئاً سواه، يخافه، ويطمع بما لديه.
فيا كل حر في غزة السنوار، وجنوب الحسين ونصر الله: أنت الحي في زمن الموات، والعزيز في زمن الذل، والحر في أمة العبيد، فلا تهتز، ولا تتراجع، ويجب أن تواصل مسيرة العطاء التي أفنيت في سبيلها زمناً من عمرك، وأوقفت لها ما مضى من حياتك، وكرست لأجلها قواك، وآثرتها على راحتك، وإذا ما وجدت أنك كلما شعرت باقتراب لحظة تفجر وانبعاث النور، ازداد الظلام تمكناً ورسوخاً وتمدداً وقوةً واتساعاً، عليك أن تزداد إيماناً بقضاياك، وتبدي الإصرار المضاعف على استكمال رحلتك التي انطلقت خلالها، حاملاً لرسالة الأنبياء، وفياً لدعوتهم، مبلغاً لكل المبادئ والقيم والأخلاقيات والأفكار التي اختطها الأئمة والأولياء والصالحون بالدم والمداد عبر العصور، فتلك هي الأمانة التي حملوك إياها، وقالوا لك:
إذا قوي المحتالون والمجرمون الصهاينة والمستكبرون على سلبك الحق في الحياة والحرية والكرامة، وعجز القلم عن إيقاظ أمتك الخانعة الخائنة الذليلة المستعبدة، وحال إعلام السوق وكل أبواق الزيف والانهزامية دون بلوغ صوتك إلى الناس، فاختر أبلغ الأساليب بياناً، وأعظم الأدوات إيصالاً لما تود قوله، وأكثر الطرق تأثيراً على الوعي الجمعي في كل جيل، وذلك فقط عن طريق الاستعداد للتضحية والفناء في سبيل ما تدعو إليه، فلتحترق ذاتك، مادام احتراقها سيجعلك نجماً في سماء الحسين، عليه السلام، ثم ما الداعي لشعورك بالغبن، والأسى والحسرة حينما ترى الحق منبوذاً، لا يجرؤ أحدٌ على اصطحابه سوى القليل، مادمت ستصبح معدوداً ضمن الذين آثروا الحضور في عاشوراء، وصاغوا من موقعهم الكيفية التي بموجبها يمكن تفجير ينابيع الحياة الحرة والكريمة، من قلب الصحراء؟

أترك تعليقاً

التعليقات