خفايا ثالوث الشر
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كل مَن يؤمن بالله ورسوله وكتابه، ويجد نفسه مسلماً يداً وقلباً ولساناً وحركةً وفكراً لله الرحمن، عليه أن يسعى لتخليص هذا الدين القيم رسولاً وثقافةً ومبادئ وقيماً ومعتقداتٍ من كل ما علق به من شوائب وخرافات وأفكار ومعتقدات باطلة. ولا سبيل لكل ذلك إلا بمعرفة رسول الله صلى الله عليه وآله، بعيداً عن الرواة والمؤرخين وكتاب السيرة الشريفة، المشهورين كابن إسحاق وابن هشام وسواهما. ولا تقل لي: إنك ومَن تتأثر بأطاريحهم وتنقل آراءهم، قد ابتدعتم بدعة لم يسبق لأحد من مشهوري الفقهاء والمفكرين والباحثين أن ابتدعها! كيف أترك كل هؤلاء الذين لم يشك أحدهم مجرد شك بصحة جميع الأحداث التاريخية في صدر الإسلام، ولم يقل مقالتكم بخصوص سيرة الرسول الأكرم؟ كيف أتركهم وأؤمن بما قاله نشوان دماج، في كتابه (الرحمن اللغز الأكبر) وهو الوحيد الذي قال ذلك؟ كيف له أن يكون على علم بما لم يعلمه علماؤنا ومراجعنا، وهو ليس بمستواهم شهرة ومنزلة وحضورا؟
دعك من كل تلك المقدمات التي تصدر عن القطيع، ويخفي خلفها مسلوبو العقول والحرية عجزهم وعبوديتهم وجهلهم، وتعال وانطلق من القرآن، واتخذه حكماً على ما يقال، وما لم يتفق مع كتاب الله فهو زخرف. ومادام الحق هو غايتك، فدعك من القائل، وانظر لما قال فقط، وهو من الله في غنى عن كل ما يحوزه أصنام الفكر من أوسمة وألقاب ومقامات.
سبق لنا بالأمس أن وقفنا على حادثة الهجرة إلى الحبشة، وكان آخر ما عرفناه أنها لم تكن من نصيب تلك الثلة المؤمنة المعذبة الضعيفة، الصادقة الراسخة بإيمانها كالجبال، كعمار وآل ياسر كلهم، وبلال وأمه وسواهما، فهم مَن عذبوا، وعانوا، ومن المفترض أن يكونوا في طليعة المهاجرين إلى الحبشة.
ولكن تأتي السيرة وتقول لنا: لا، ليذهب هؤلاء إلى حيث ألقت والمهم هو الحفاظ على التجار، وأبناء الذوات، الذين لم تمس أياً منهم شوكة في تلك المرحلة من قبل المشركين، والذين يتصدرهم عثمان بن عفان الأموي الذي تفرضه الروايات صهراً لرسول الله، فقد قيل لنا: إنه ذات يوم كان والنبي [ص] كانا في جولة في مكة، فمرا على آل ياسر وهم يعذبون، ليرى ياسر المؤمن الثابت الصابر رسوله الذي آمن برسالته ممسك بيد عثمان، ومن ثم يبادر بالقول: الدهر هكذا يا رسول الله. يجيبه النبي: صبراً إن موعدكم الجنة. يشتكي إليه عمار ما يلقونه من عذاب، ويبدو عليه الانهيار، فيجيبه بنفس ما أجاب به أباه! ثم يأخذ يد عثمان وينصرفا، تاركاً آل ياسر لقريش وعذابها وإمعانها بالإذلال لهم!
وبعدها يأتي عثمان ليشكو للنبي حجم ما يلاقيه من عذاب، الذي كاد يفتنه عن دينه، فيأتي له الجواب بالهجرة. ومثله عبدالرحمن بن عوف، الذي قيل: إن النبي سمح له بارتداء الحرير، لأن جسده لا يطيق خشونة الملابس الأخرى، ومصعب الذي كان عطره يفوح في كل مكان كلما خرج من داره، وأبو عبيدة ابن الجراح، والزبير، وأمثالهم.
وإذن كانت الرسالة والرسول منة من الله على التجار والكبراء والشخصيات البارزة في مجتمع قريش، هذا لو بقينا مسلمين بهكذا روايات، واعتبرناها مسلمات قطعية لا سبيل لإنكارها ودحضها، ولكن هيهات! فلا والله لا نبقي على الزيف، ولن يظل الباطل هو اليد المعنية برسم صورة النبي، في الأذهان.
وأخيراً؛ إن هؤلاء الذين تقدمهم الروايات كمضطهدين فروا بدينهم، ما كانوا إلا تجارا، وذهابهم للحبشة كان بغرض التجارة لا غير، فالحبشة سوق لقريش. وعليه؛ فليس هناك هجرة إلى الحبشة، وإنما هناك مساع ورغبات لثالوث الشر على طول التاريخ في صنع مناقب وأسبقية للكبراء على المستضعفين المريدين لوجه ربهم، وهكذا يمحى ذكر هؤلاء، ويقدم أولئك، فيرى كل فقير وضعيف ومسكين ومظلوم في هذا الدين نقمة عليه، بينما يراه الكبراء نعمة وخير وبركة وسلطان وثروة. وإلى اليوم لاتزال الأمة تقدم بلال وعمار أضاحي في سبيل ابن عفان وابن عوف والزبير وأبي سفيان. حق العماريين الصبر على العذاب والظلم. وحق العمريين النعيم والجاه، وقطف الثمر بعد كل ثورة وحركة تغييرية.

أترك تعليقاً

التعليقات