الخوف، كل الخوف
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ثمة أكثر من غصةٍ نتفادى الحديث عنها هذه الأيام، وأكثر من جرح نحاول قدر الإمكان التصبر على الآلام والأوجاع الناتجة عن وجودها وكثرتها واتساعها، فلا نبدي إزاءها أدنى زفرةٍ من أنين، ولا نظهر حيالها أي عبارةٍ توحي بالشكوى أو طلب الغوث لمَن وممن حولنا. وذلك نظراً لطبيعة المرحلة التي نعيشها، وعظمة المعركة التي صرنا جزءًا منها، وقدسية القضية التي كان لنا وكافة أحرار العالم شرف التبني للدفاع عنها، وإعادتها إلى الواجهة كقضيةٍ كبرى لكل مَن لايزال يمتلك ذرةً من شرف أو دين أو خُلُق، بصرف النظر عن عقيدته أو وطنه أو عرقه أو جنسه أو مذهبه وطريقة تفكيره في الحياة، ولا فرق على الإطلاق بين مَن ينطلق من منطلق ديني، ومَن ينطلق من منطلق حرية الاختيار والإرادة في دنياه، ففلسطين يد الله، ويد الإنسانية الكفيلتان بتحقيق وحدة البشرية، واستعادة كينونة الوجود الآدمي، وبناء وتعزيز وتوثيق الروابط والصلات بين كل ذي فطرة سليمة في كل أرجاء المعمورة.
والحقيقة؛ أن كل شيء يهون فداءً للقدس وغزة وكل فلسطين، كما أن كل كارثة أو غصة أو فاجعة أو مأساة أو نكبة أو مصيبة يمكن احتمالها، مادامت منحصرة في الجانب الشخصي للفرد، بحيث لا يمكن لها أن تتحول إلى ظاهرة عامة يكتوي بنيرانها كل أبناء المجتمع، وتمتد ألسنة اللهب المنبثقة عنها إلى كل المنجزات التي صاغها رجال الرجال بدم الفداء والتضحية، وبنوها لبنةً لبنة بمهجهم وأرواحهم وجماجمهم، وقد لمسنا فضلهم الكبير بانبلاج فجر الثورة، وتنفس اليمن لصبح الحرية والسيادة والاستقلال، ومَن لم يرَ شمس الحادي والعشرين من أيلول وهي تختط بأشعتها أسماءهم، وتدون في كل سفح وتل وواد وجبل سيرهم العطرة، وتاريخهم الحي والخالد؟!
ومَن لم يعتز بثورته وسيدها ورجال الرجال وأحرار البلد وقد طوينا صبراً وصموداً وتضحيةً وثباتاً سنيَ العدوان والحصار التسع العجاف، وبتنا قاب قوسين أو أدنى من جني ثمار النصر في كل المجالات؟!
ومَن لم يستبشر ويفرح بفضل الله ونعمته علينا كشعب يمني المتمثلة بالسيد القائد والمجاهدين في القوات المسلحة اللذين جعلانا محط أنظار كل المتطلعين لزمن الخلاص من أمريكا والكيان اللقيط؟! مَن منا لا يعيش الطمأنينة أنه على الحق وقد قربت المسافات بيننا وبين أرض المسرى، وأصبحنا نرى غزة تمتد حتى ميناء الصليف وباب المندب؟!
إن ذلك كله يحمل بين طياته البشرى لنا، ويقول لكل حر فينا: إن ثباتك وصبرك وصمودك وجهادك وكل شيء قدمته قبل الثورة وبعدها، وفي ظل تكالب الأحزاب وعدوانهم علينا؛ كان على طريق القدس، وعلامات موحية باقتراب زمن استعادة وتطهير وتحرير فلسطين كلها.
ولكن الخوف كل الخوف اليوم وغداً على كل ما قد تحقق أو سيتحقق ليس في أمريكا وكل قوى الاستكبار وفتاته العاهرة المدللة إسرائيل، وليس من المنافقين والخونة وضعاف النفوس والعملاء والمطبعين في الوطن والإقليم، وإنما من المعقدين والموتورين وضيقي الأفق، وعديمي النظرة والخبرة والحلم والتجربة، والاستفادة من قضايا وسير الأمم والشعوب في الماضي والحاضر، إذا ما تصدروا المشهد، واستطاعوا ترميز أنفسهم، ليصبحوا في ما بعد هذه المرحلة بعيون الشعب أبطالاً ملحميين، والمخولين برسم وتحديد ملامح المستقبل ليمن 21 أيلول، والمعبرين عن كل ما تضمنه مشروع المسيرة والثورة، لماذا؟
لأنهم يسيرون على خطى الوهابية، بل لقد بدأوا من حيث انتهت هي كما يقول أحد الأحرار، ليس هذا فحسب، بل إنهم ومن واقع التدقيق في أقوالهم وأفعالهم المعلنة وغير المعلنة؛ يحولون المسيرة من مسيرة قرآنية تستوعب العالمين، إلى حركة محدودة جامدة منغلقة على ذاتها، تعيش القطيعة مع محيطها، وتحمل العداوة والبغضاء لكل ما له علاقة بالعلم والمعرفة والبناء والتجديد، وترى نفسها صاحبة الحق الحصري، وما عداها فهو باطل وشر ومحض كذب ودجل وافتراء على الله والناس.

أترك تعليقاً

التعليقات