يعيش أبو سفيان!
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
تبقى المشاريع النهضوية والثورات التحررية طاهرةً نقيةً، قويةً خلاقةً مبدعةً متجددةً، مادامت منطلقةً من عمقها الشعبي، منحازةً إلى صف الكادحين الذين وهبوها مهجهم أول مرة، وحملوها آمالهم وتطلعاتهم، فهم يدها وقلبها وفكرها وروحها، كلماتهم مسموعة من قبلها، وآراؤهم معمولٌ بها في سياساتها، لا تضيق آفاقها أمام أنظارهم، ولا تتنكر لوجودهم وجهودهم، أو تسعى لشيطنتهم، والتصدي لأطروحاتهم.
هكذا قال أحد الأصدقاء الأعزاء، الذي يرى أن أعظم خطرٍ على المشاريع والثورات المستندة في فكرها وتربيتها وسياستها وحركتها إلى تعاليم الوحي، القائمة على أسس الرسالة المحمدية الخاتمة الخالدة، هو عندما تضيق ذرعاً بآراء وأفكار وكلمات ومشكلات محيطها الشعبي، وتتجه إلى تكوين نخبة مريضة ضمن خلايا لا تعترف بالعمل المؤسسي، وإنما تعمل في خدمة مصلحة الخلية أو الشلة، ولو على حساب التخلي عن دينها ووطنها ومجتمعها، وكل شيء.
وهكذا تتصاعد الآثار السلبية وتنتشر في كل اتجاه، نتيجة وجود هذه النخبة المريضة، والفاقدة أدنى مقومات الوعي والحركة والأساليب العملية، التي في ظلها تفقد الأشياء العظيمة قيمتها وقداستها، إذ ستعمد إلى توظيفها في خدمة مصالحها الشخصية، وأهدافها النابعة من عبادتها للذات، وخضوعها للأنانية المفرطة، فكل ما كان عنواناً للقاء وميداناً للتعاون والتماسك والوحدة والأخوة، يصبح أداةً للقمع والقهر وبث الهلع والرعب والخوف في واقع الحياة، فيخفت نور الكلمة، وتموت الفكرة، وتطأ كل قدمٍ نجسةٍ فراش الحقيقة الطاهر، ويصير البوليس والكرباج هما شعار المرحلة، وبوابة الولوج إلى المستقبل، ويعيش أبو سفيان!

أترك تعليقاً

التعليقات