ذاكَ هو الخائن
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
قيمة ما يقوله الصادقون، ويكتبه الواعون المستبصرون، تكمن في قدرته على إحداث تأثير في ما حوله، إلى جانب إحداث هزة فكرية ووجدانية لدى المتلقي مهما كان معادياً للخط ومعارضاً للفكرة، وطالما ظل الكاتب أو المتكلم مخلصاً لمبادئه متمسكاً بالثوابت التي قامت عليها حركته فإن النتيجة ستكون في نهاية المطاف لصالح الهدف الكبير الذي يسعى له التغييريون جميعاً، لأن سلامة وسمو المقدمات هي الأساس المهم لتحقيق وحصد النتائج الكبرى والعظيمة على كل المستويات.
وقد حفظ لنا التاريخ الرسالي الكثير من التجارب النبوية التي انطلقت في خط الإصلاح والتغيير والبناء للإنسان والمجتمع، كما حفظ لنا كيفية عمل المجتمعات المنحرفة والمستكبرة للحيلولة دون تحقيق التغيير والإصلاح المجتمعي، لأنهم اعتبروا ذلك تهديداً وجودياً لهم بشكل عام، باعتبار أن مصالحهم وامتيازاتهم ومراكزهم ومقاماتهم قائمة على التضليل والقهر الاجتماعي والظلم الطبقي، ولذلك انطلقوا للمعارضة لخط ونهج الرسالات الإلهية بكل ما يمتلكون من قوة، مستعملين في سبيل تحقيق هدفهم ذاك مختلف الأساليب التي يمكنها أن تشكل حاجزاً بين الناس وبين الاستماع للحق، ناهيك عن الدخول في صفه والتزامه، ومع ذلك فشلوا في النهاية، وما كانت أكاذيبهم وادعاءاتهم الباطلة إلا عاملاً من عوامل إثارة التفكير لدى مجتمع الباطل بما جاءت به رسالات الله من الحق الذي يخاطب الفطرة قبل مخاطبته للفكر والشعور، وبقي الحق قوياً حاضراً ظاهراً مهما تجددت خطط الباطل وتنوعت أساليبه.
ولعل أهم شيء يحتم علينا العمل على معرفته هو: جانب العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لأن هذا الجانب بالذات وراء كل الانتكاسات والانهيارات والهزائم والنكبات والمفاسد والمظالم التي لحقت بنا عبر الزمن، وما لم نعمل على تقديم هذه العلاقة ببعدها الإسلامي الصحيح ومفهومها القرآني الحق والواضح، فإن محاولاتنا في مجال التغيير والإصلاح ستبوء بالفشل، ولم يكن سعينا في الخلاص من طاغية أو مستبد إلا مدخلاً لإيجاد طاغيةٍ ومستبدٍ آخر، تماماً كما حصل في الماضي أن استبدلت الأمة طواغيت بني أمية بطواغيت بني العباس، لأنها فقدت الحس الواعي والنظرة المعرفية اللذين تتمكن من خلالهما من وضع الأمور بمواضعها السليمة والحقيقية، إذ ترسخ في ذهنيتها طوال مراحل ما بعد انقلاب السقيفة، مفهوم أن الحاكم أو الخليفة هو الذي يجيش الجيوش ويجمع الخراج والجبايات والزكوات، ويدير الشؤون المختلفة بقبضة من حديد، بالمستوى الذي يضمن له البقاء على رأس السلطة ولأبنائه من بعده إلى ما لا نهاية، ولكي يتحقق له ما يريد، لا بد له من العمل على ما يمكنه من إذلال المجتمع، وتحطيم نفسيته من الداخل، بمختلف الأساليب التي تصل به في نهاية الأمر إلى قتل الإنسان في تلك المجتمعات معنوياً، إلى جانب الاستمرارية في التنكيل والقتل المادي، بالإضافة إلى التشجيع على إشاعة ثقافة الخضوع والاستسلام، والتقبل لما هو سائد من ظلم وبطش وجور وفساد، وترسيخ قناعة في الوعي الجمعي، مفادها: (أنْ ليس بالإمكان أفضل مما كان)، مع الإمعان في تنمية وتعزيز الفوارق بين الطبقات، بحيث يصبح من حق قلة من الطغمة الفاسدة والمستغلة التمتع بكل المقدرات، والتملك لكل ما تريد، في الوقت الذي تكتوي فيه الأغلبية بويلات الفقر المدقع، وتبيع إنسانيتها وكرامتها تحت ضغط الحاجة.
ومع هذا يبقى عليها حق الطاعة مهما بلغ بها الحال في ظل الألم والمعاناة، «وإن جلد ظهرك وأخذ مالك».. وهكذا استمر الوضع تحت هذا العنوان أو ما يشبهه ويفي بذات الغرض حتى اليوم، ولم تكن فرقة أو فئة من المسلمين على اختلاف مذاهبهم بريئة من ذلك أبداً، وذلك ليس نتيجة عدم وجود نظم تشريعية تبين هذا الجانب المتعلق بالحاكم والمحكوم، أو نتيجة غياب النموذج الذي يعطيك الفكرة ببعديها العلمي والعملي، وإنما نتيجة تغلب هوى النفس وطمعها على ما يريده الله عز وجل، وإيثار الدنيا على الآخرة.
نعم؛ قد تجد نفسك اليوم أو غداً أمام واقع يرى فيه بعض الناس كل ما تكتبه أو تقوله على الرغم من مطابقته للحق والتزامه بالثوابت التي تقوم عليها الحركة وينضبط بموجبها التوجه، باطلاً محضاً، لأن ثمة صلةً بين أنفسهم وبين الماضي المنحرف والفاسد، وأن أي كلمة مكتوبةً كانت أو منطوقةً فيها من الضياء والنور ما تتبدد بموجبه عتمة الظلمة التي يتخذها المتصلون بماضي الفساد والانحراف ستاراً يتوارون خلفه، فإذا انقشعت تلك العتمة وتوارت كل تلك الظلمات ظهروا على حقيقتهم التي لطالما جهلها الناس عنهم.
لذلك كنْ أنت صوت الحقيقة في كل الظروف والأحوال، وتذكرْ دوماً أن: الحق لن يؤتى إلا من خلالك؛ فإياك والانهزامية. واعلمْ: أن مَن لم يعمل على تحقيق العدل ومحاربة الظلم والبطش والجور، ولم يأخذ بعين الاعتبار مسألة الحفاظ على كرامة الناس وأنفسهم وحقوقهم وممتلكاتهم، فقد خان المسيرة بأغلى ما لديها لكي تقدمه للناس، كما يؤكد ذلك سيدي ومولاي عبدالملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله وسدد خطاه).
يضيف أبو جبريل (أيده الله) قائلاً: «إن هذه المسيرة لا تمتلك الأموال كي تقدمها للناس بغرض التخفيف عنهم ومساعدتهم في التغلب على شظف العيش وقساوة الحياة، وإن أغلى ما لدى المسيرة وأهم ما تمتلكه ويجب تقديمه للناس هو العمل على حفظ حقوقهم وأنفسهم، وصيانة ممتلكاتهم، وعدم المساس بكرامتهم، وتحقيق العدل والإنصاف لهم في كل المجالات، لكونهم عانوا من الظلم والبطش والجور طوال عقود من الزمن».

أترك تعليقاً

التعليقات