الدولة الحلم
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ظلت أرواح المعذبين في الأرض تواقةً لزمن وجود دولة القانون، الذي ينظم علاقة أفراد المجتمع، على ضوء ما يحتويه بين طياته من نظم ومعايير، تحمي حقوقهم، وتحدد لهم الضوابط التي تسير عليها حياتهم،، وتبين لهم ما الذي يلزمهم القيام به من أعمال على سبيل الواجب الذي لا يحق لهم التخلف عن أدائه كاملاً غير منقوص، تحت أي ظرف من الظروف، وعلى الرغم من اشتمال القرآن الكريم، وسيرة وهدي النبي الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، على كافة الأسس والقواعد المطلوبة لقيام هذه الدولة، ذات القانون الإلهي، إلا أن هنالك مَن وقف حجر عثرة أمام قيامها بشكل كامل، منذ لحظة التحاق رسول الرحمة صلوات ربي عليه وآله، بالرفيق الأعلى، وذلك بفعل إخلاصهم للموروث الجاهلي أكثر من إخلاصهم لتعاليم الدين الحنيف، والتزامهم بالعرف والعادة اللذين تربوا عليهما في زمن الجاهلية، أكثر من التزامهم بشريعة الإسلام السمحاء، الأمر الذي دفعهم للبحث عمن يقوم باختلاق أكاذيب باسم هذا الدين، بغية تمرير أهوائهم، وتوجهاتهم وسياساتهم ذات المضمون الجاهلي على الناس، دون أن يعمد أحدٌ لاستنكارها، أو رفضها ومحاربتها، بحيث تصير جزءًا من الدين، وأساساً لا بد لكل الأحكام والمعاملات والضوابط والمقررات في جميع مناحي العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي وغيره الخضوع لها، والتمثل لشيء من بنودها، فاختلت موازين الحياة كلها، وتبدلت المفاهيم والمعايير التي يتبعها الناس في بناء ثقافاتهم وأفكارهم، أو يعتمدونها لضبط وتنظيم مختلف شؤونهم.
ولعل ما يجدر بنا التنبيه عليه في هذا الصدد هو: أن هذه الفئة التي حالت دون تعميم مفاهيم الإسلام ببعدها الصحيح، في مراحل الإسلام الأولى، لاتزال موجودةً إلى اليوم، وذلك من خلال وجود أشخاص يعلنون انضمامهم إلى الدعوات الحقة، ويشاركون في الدفاع عن المشروع، ويسهمون في إنجاح الثورة التغييرية، في خطواتها الأولى، وما إن تستقر الأمور نسبياً، حتى تبدأ هذه الفئة بالتحرك عكس التيار، خوفاً من تحقق التغيير الشامل، الذي تراه عاملا قويا لتهديد مصالحها، والحد من امتيازاتها، لأنها ببساطة: تريد أن تنتمي للحق، ولكن بشروطها هي، وليس لديها أدنى استعداد أن تضحي بشيء من نوازعها ورغباتها وامتيازاتها لأجله، كما لا يمكن لها التسليم لحكم الله، طالما سيجعلها تعيش بمستوى الآخرين، لها ما لهم، وعليها ما عليهم.
وكما كان ظهور هذه الفئة في جسد الإسلام موغلاً في القدم، فكذلك كان للإسلام الأصيل تجربته الغنية بالدروس والعبر، من خلال مواجهته لها، وبيانه لمدى زيفها وضعفها، فهذا أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، يقف لها بالمرصاد، حينما احتجت عليه بمساواتها بالآخرين أمام القانون، فيقول: وأما ما ذكرتماه من أمر الأسوة، فإني لم أحكم بذلك هوى مني، ولم أعمل فيه برأيي، ولكني وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله، قد فرغ منه.
ثم يشتد ويتصاعد احتجاج هذه الفئة على توجه الإمام هذا، فيجيب بقوله الحازم الحاسم: لكم علينا العمل بكتاب الله، وسيرة رسوله صلى الله عليه وآله. وهكذا سار عليه السلام، في فترة حكمه، جاعلاً من محورية القانون الإلهي الأساس والمنطلق لسياسته، متصدياً لذوي السلطة والنفوذ قبل غيرهم، لأنه متى استطعت إعمال القانون لدى هذه الفئة، وتمكنت من تطبيقه عليها بكل معانيه، كان القيام بذلك تجاه عامة الناس متاحاً وميسراً.

أترك تعليقاً

التعليقات