مواضع لضرب الرساليين
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يستطيع الإنسان أياً كان جنسه، أو موقعه، أو مستواه الفكري والثقافي، التغلب على كل الصعوبات التي تعترض طريقه في الحياة، وتجاوز كل العقبات والحواجز والحفر والشراك التي يضعها الآخرون بدافع الحسد أمامه، ليثنوه عن وجهته، ويحولوا بينه وبين بلوغ غايته وهدفه اللذين يسعى إليهما، من خلال ما يقوم به من أدوار، فرضها عليه دينه، وأدرك أهمية تلك الأدوار بفكره وتجربته، وألزمته بها موهبته، أو طبيعة التخصص في مجال ما، سواءً تعلق ذلك بالفنون والآداب والعلوم الإنسانية، أو بالعلوم الطبيعية والرياضية وسواها، فمادام صاحب رسالة، فلن يقعده عن القيام بمهمته شيءٌ، إذ إن ما وعاه وأدركه من الحقائق تجعله يعيش الإحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، تجاه الكون والإنسان، وبالتالي فإن كل ما يمكن له أن يقاسيه من آلام ومعاناة، ويلاقيه من أخطار وتحديات، ويجده من ألغام ومزالق وحيات وطعنات، طوال مدة رحلته تلك، في أداء الأمانة كما يجب، لن يزداد معها إلا قوةً ووعياً وهمةً وعزيمة وصبرا وتصميما على السير قدماً، حتى وإن سقط حيناً، أو وقف ليلتقط أنفاسه حيناً آخر، فإنه لن يعود القهقرى إطلاقاً.
وكم من أناسٍ في الماضي والحاضر، بلغوا غايتهم، وحققوا أهدافهم في الحياة، مع أنهم عاشوا واقعاً كله بؤس وفقر وغربة وحزن ومآسٍ وأمراض وفقد ويتم وسجن وتشريد وتهجير وتنكيل وازدراء وظلم! لأنهم علموا: أن الحي الحقيقي هو الذي يستطيع أن يحول كل ما في نفسه من نقص وضعف وعجز وانكسار وعذاب، وكل ما في الواقع من حوله من عدمية وجهل وتخبط وفساد وموت، إلى عوامل للبناء والخلق والبعث والاستنهاض لكل ما هو مفيد وعظيم ومقدس.
ومع ذلك كله فهناك مواضع متى ما ضُرب الإنسان من خلالها، لاسيما إذا كان من المستنيرين أو الرساليين، فإنها كفيلةٌ بإحداث زلزلة واضطراب واهتزاز وتشوش في فكره وأعصابه وروحيته، وقد يصل مستوى وحجم ما ستتركه تلك الضربات التي تلقاها عبر تلك المواضع إلى تجميد وشل حركته بالكامل، إلا مَن رحم الله، من تلك المواضع مثلاً:
* فقد الإنسان الرسالي لشخصيةٍ مثل وجودها في حياته القوة الداعمة والحامية والراعية والمساندة، كما كان أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وآله، معظم زمن المرحلة المكية، وعلى الرغم من عظمة وكمال وثبات وصبر النبي الكريم، فإنه يقول: ما نالت قريشٌ مني إلا بعد أن مات أبو طالب.
* فقد السكن والملاذ المتمثل بالزوجة، لاسيما تلك التي تكون صاحبة رؤية وموقف، يجعلانها بموقع الشريك في تحقيق الإنجازات، وإحداث التحولات الكبرى في النفوس وفي الواقع الخارجي للمجتمعات، وبدون هذا السكن والملاذ يصبح الرسالي ضائعاً حائراً، عرضةً لكل مظاهر الاستهداف التي يتبناها المناوئون للحقيقة التي يحملها.
وهكذا يتضح أن الأول يمثل القوة والسند، والثاني يمثل الاستقرار، وبدونهما لا يمكن للرسالي النجاح في حركته ودوره العملي.

أترك تعليقاً

التعليقات