مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ذات يوم وأنا أتصفح كتاب (العمدة) هزني بيتان شعريان، قال صاحب الكتاب: إنهما للإمام الحسن بن أمير المؤمنين، الإمام علي بن أبي طالب، عليهم السلام». يقول البيتان:
عندي كلامٌ كثيرٌ لو أبوح بهِ
لقيل لي: أنت ممَن يعبدُ الوثنا
ولاستباحَ أناسٌ مخلصون دمي
وكان أقبح ما يأتونه حسنا»
لقد كنت أقول جهلاً مني: وهل هناك شيءٌ لا يمكن للمرء إبداؤه، حتى وإن كان هذا المرء الإمام بن الإمام، وابن الصديقة الطاهرة فاطمة، وسبط أبيها المصطفى؟! وهل هنالك حقائق قد طمست، وحل محلها الوهم والزيف، إلى الحد الذي جعل الناس على استعداد أن يقتلوا مَن يعيدها مجدداً إلى الواجهة، ليصارحهم بطبيعة ما هم فيه من سبات عميق، وجهل مطبق، وضياع كلي، إذ بات كل دنس وشرك وباطل وضلال محتلاً لمقام التقديس عندهم، وكلُ مقدس وهدى ووحدانية خالصة وحق مطلق، ومستحق للإكبار والقداسة؛ مستحقاً للإهانة والحط، والتشنيع وإلصاق كل معاني القبح والقذارة فيه من قبلهم، كونه رمزا للكفر والفساد والشر والجريمة؟!
مضت الأيام، وإذا بي وأنا أقتطف لكم قطوفاً من مجاني كتاب (الرحمن اللغز الأكبر) للباحث والمفكر الأديب نشوان دماج؛ فوجدتني وأنا أسير مع الكتاب؛ أتناول موضوعاً وأقفز على عشرة مواضيع قبله أو بعده! وذلك ليس لأنها خالية من الحق الصراح، وليس لأنها مجرد كلمات تنطلق في الهواء، أو الفراغ، أو مجرد تخديرة قات كما يقال عندنا، أو محاولات للفت الأنظار، وجذب الانتباه، وسعي محموم لخطف الأضواء من باب (خالف تُعرف). حاشاها من كل ذلك! لكن الخلل راجعٌ إلي، نعم إلي وحدي.
فكيف لي أن أقوم بالهدم مرة واحدة لتلك الأفكار والمسلمات والأحكام المتوارثة، والقضايا التاريخية والأحداث التي جرمت الصالحين، ونسبت صلاحهم زوراً لمجرمين؟ كيف لي أن أضع بين أياديكم أن الجناة على الدين، المنقلبين على ولاية الله ورسوله، الخائنين لعهد (خم ذلك الغدير) قد بلغ بهم المكر بالرسالة ورسولها والكيد للدين ومعتنقيه مبلغهما، إلى المستوى الذي جعلهم يتعدون حتى على الزمن، ويخربون قانون حركته الذي أرساه الله يوم خلق سماواته وأرضه، ويتلاعبون بمواقيت العبادات، ويجعلون المسلمين يرون أنفسهم وقد صاروا خارج التاريخ، بلا كيان أو مكان أو زمان؟ نعم سيأتي اليوم الذي يرى المسلم نفسه مجردا حتى من التقويم لأيامه، لا يملك القدرة على التوثيق لتاريخه، ولم يعد ذلك ببعيد.
كيف لمَن لقنوه قبل الفطام استيعاب ثورة الملك الحميري ذو نواس، ومظلوميته؛ أنه اليهودي المجرم الحارق للبلاد والعباد؟ ومَن أبي حتى أقول له: تلك روايات السريان المنوفيزيين، ودسائس بلاط معاوية ونديمه سرجون، وما معاوية إلا حليف الثالوثية البيزنطية الأكسومية، وممثل لطرفي قريش الثالوثي المنوفيزي عملاء القيصر، وأتباع بولس وكنيسته. وإن كل ما قيل بحق الملك يوسف أسأر ما هو إلا انتقام من الوحدانية، ومدخل لتشويه الرسول والرسالة، وإن ما قدموه على أنه مستند بشاهد من القرآن من قصة وأخدود؛ لم يكن سوى إشارة إلى مدى ما قد ألحقوه باللسان العربي المبين من طلاسم وتعميات، فجعلوه شاهدا لهم، وجنديا في صفهم.
ليتهم اكتفوا بيوسف الحميري، ذلك الملك المحمدي! ولم يشوهوا تاريخ شخصية يمنية أخرى انطلقت لذات الهدف، وحملت ذات المشروع، ودافعت عن ذات القضية، التي لأجلها مجتمعة قتل الملك ذو نواس، ومحي تاريخه، لكن هيهات، فمادام معاوية على رأس دولة الإسلام، فلن يبقي أي علامة من علامات اليمن الرحماني، وتاريخ رجاله الوحدانيين، كونه يعي أن ذلك انتصار لهذا التاريخ الذي مثل رسول الله (ص) امتداده الطبيعي!
وإذن كان أمام بلاط معاوية وكاهنه سرجون والسحرة الكذبة كعبيد بن شرية وسواه شخصية أخرى، عملوا على إلصاق جريمة تاريخية بها، وجعلوا كذلك سورة من القرآن تدين هذه الشخصية وتوثق جرمها، كذباً وزوراً. هنا يبلغ الانتقام من التاريخ اليمني ذروته، وترى معاوية وبيزنطة قد تنفسوا الصعداء، وهم يروننا نتعهد كل تلك الأباطيل بالرواية والتصديق والتأكيد.
ولكن شاء الله إلا أن يتم نوره، فاقتضت ألطافه الخفية وجود لسان عربي مبين، لم يفطن له المنوفيزيون وأعرابهم، وهو ما دونته النقوش، ليأتي زمن الفك لشفراتها والكشف عن محتواها بما يفضحهم ويكشف حقيقتهم، ويعيد الاعتبار لكتابه العزيز. نعم فالنقوش مؤيدة للقرآن، ومؤيدة به، وأما مَن جعل رواياتها معارضة للرواية القرآنية فهم ضحايا سرجون، وحفيده يوحنا صاحب كتاب الهرطقات المحمدية، والمسكونون بما وجدوه من سموم منوفيزية طفحت بها مصادر السريانيين، وهم بالطبع معروفون لصالح مَن كتبوا، ولأي معسكر انتموا.

أترك تعليقاً

التعليقات