ثمن السكوت على الاستبداد
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتواءم مع الاستبداد ويظهر فيه ما يمكن أن نسميه «المواطن المستقر أو الجامد الخامل».
وهذا ما ينطبق على معظم مجتمعات وشعوب عالمنا العربي الإسلامي في أيامنا هذه، إذ نجد أن المواطن يعيش في عالم خاص به، عالم تولد كنتيجة حتمية لسكونه وخموله وضعفه وجموده واستلابه ويأسه، ولذلك انحصرت اهتماماته في ثلاثة أشياء:
1 - الدين.
2 - لقمة العيش.
3 - كرة القدم.
فالدين عند المواطن العربي في الأعم والأغلب لا علاقة له بالحق والعدل، وإنما هو مجرد أداء للطقوس واستيفاء للشكل لا ينصرف غالبا للسلوك، الذي ينعكس على الممارسة العملية لدى الفرد والمجتمع.. أما الذين يمارسون بلا حرج الكذب والنفاق والرشوة لا يحسون بالذنب إلا إذا فاتتهم إحدى الصلوات! كما أن مجتمعا أو مواطنا كهذا لا يدافع عن دينه إلا إذا تأكد أنه لن يصيبه أذى من ذلك! وفي المقابل تراه يستشيط غضبا ضد الدول التي تبيح جواز الغناء، أو عدم ارتداء الحجاب، بحجة أن ذلك ضد إرادة الله، لكنه لا يفتح فمه بكلمة مهما بلغ عدد المعتقلين في بلاده ظلماً! وعدد الذين ماتوا من التعذيب، ولا تجده يفعل شيئاً ضد مراكز الظلم والفساد في بلاده جهاراً وبعد ذلك يحمد الله.
وأما لقمة العيش التي هي الركن الثاني لحياة المواطن العربي، فهو لا يعبأ إطلاقا بحقوقه السياسية ويعمل فقط من أجل تربية أطفاله حتى يكبروا، فيزوج البنات ويشغل أولاده، ثم يقرأ في الكتب المقدسة ويحج بيت الله طلباً لحسن الختام.
أما في كرة القدم فيجد المواطن العربي تعويضا له عن أشياء حرم منها في حياته اليومية، كرة القدم تنسيه همومه وتحقق له العدالة التي فقدها، فخلال 90 دقيقة تخضع هذه اللعبة لقواعد واضحة عادلة، تطبق على الجميع.
وهكذا يتضح أن المواطن العربي الساكن الجامد المستلب العاجز هو العائق الحقيقي أمام كل تقدم ممكن، ولن يتحقق التغيير إلا عندما يخرج هذا المواطن من عالمه الضيق، ويتأكد أن ثمن السكوت على الاستبداد أفدح بكثير من عواقب الثورة ضده. فمع تقادم الاستبداد تشكلت عقلية المواطن العربي، عند أغلب الشعوب، وتمت السيطرة على خياراتها واقتيادها بسهولة أكبر بدعاوى دينية تم توظيفها في كي وعي الشعوب تلك، وبالتالي انقادت أغلب هذه الشعوب لضرورات حكامها دون خيار، هذه الضرورات كان أغلبها بيع ثرواتنا وكرامتنا لأمريكا والغرب، لتحقيق وجودهم وتمكينه في مقابل تمكين سلاطين هذه الأنظمة، وتغييب وجودنا وسحق معالمنا وطمس مستقبلنا تحت أنقاض الماضي.
وهكذا باتت الشعوب قابلة ومدافعة عن هذه الضرورات كخيارات حتمية لاستمرارها في وظيفة المواطن الجامد المستلب، وهي ضحية جهات وأسر ومكونات تداخلت بطريقة معقدة ووظفت هذا التحالف في بناء سلطتها، وتحالفت مع الشيطان لأجل وجودها في السلطة، وإدارتها لثروات الشعوب وفق إرادتها وتمكينها من الديمومة في الحكم.
إنها الخشية الوجودية من التآكل، الخشية من زوال السلطة، الخشية على الأموال والنفوذ والهيمنة والسلطة من تحكم اليوم منطقتنا، وأمام هذا الكم من الخشيات ترزح الشعوب تحت الاستبداد والقهر، والفقر والحروب واغتصاب الأرض والكرامة، بل ترزح تحت وطأة التخلف والجهل، وهيمنة البداوة كسلوك وفهم للدين والحياة والإنسان.

أترك تعليقاً

التعليقات