رسالة عاشوراء إلينا
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لا يليق بنا كمنتمين للحسين الخط والفكر والثورة أن تمر علينا ذكرى عاشوراء، ولم نستطع بعد أن نفهم ما هي الرسالة التي بعث بها الحسين إلينا وإلى كل جيل حتى قيام الساعة، ولن نتمكن فعلاً من التعرف على فحوى هذه الرسالة وفهمها فهماً واعياً إلا حينما ننطلق من الواقع إلى التاريخ، لدراسة ما تضمنه من الحقائق التي لا تموت بموت الزمن الذي حدثت فيه، ولا تغيب بغياب صانعيها وروادها عن المشهد الحياتي، وأيُ حقيقةٍ أعظم من كربلاء؟ وأيُ يومٍ أحوى الزمن كله كيوم عاشوراء؟ وأيُ رجلٍ أطول عمراً وأكثر عطاءً وتجدداً وشباباً وحيويةً وأثراً كالإمام الحسين؟ ثم نعود بعد ذلك لدراسة واقعنا على ضوء ما استخلصناه من الواقع التاريخي الذي نشأت فيه الثورة الحسينية والتي تقول لنا ولكل الرساليين:
إن أخطر ما قد يصاب به أي مجتمع رسالي، فيقضي على تطلعاته وآماله، ويجمد حركته ويميت ثورته هو مرض الفتور واللامبالاة، الذي لم تسلم منه المجتمعات والحركات والأمم والحضارات على امتداد التاريخ، ولا فرق في ذلك بين مَن كانت منطلقاتهم بشرية، استناداً إلى آراء وتنظيرات مفكر أو فيلسوف، وبين مَن كانت منطلقاتهم مستندةً إلى تعاليم الله، ومتجسدةً في حركة نبي أرسله الله إليهم، لأن الإنسان مركبٌ من عنصرين: نفخةٌ من روح الله، تمثل جانب السمو والكمال، وقبضةٌ من التراب الذي يمثل جانب الانحطاط والضعف والتسافل، الأمر الذي يوحي بضرورة الحرص على إبقاء الرسالة حية في نفوس المجتمع المكلف بحملها، ولاسيما المعنيين بتحمل المسؤولية العملية في كل المجالات، ولن تبقى الرسالة حيةً إذا تركزت جهودنا على تعميم مفاهيمها وأفكارها عن طريق الوعظ والإرشاد، الذي يقف عند مخاطبة العقل المجرد، بحيث يستطيع غرس تلك المفاهيم في الذهنية، ولكنه عاجزٌ عن إنزالها من العقل إلى القلب، لتتحول من معلومات وأفكار مجردة إلى عقيدة وإيمان، وهذا لن يتأتى إلا من خلال العمل على مخاطبة الوجدان والأحاسيس والمشاعر لمن حولنا، لكي تصبح الرسالة شيئاً مرتبطاً بالذات لا مفروضاً عليه ومنفصلاً عن بنيته وتراكيبه، مع العلم أن هذا لا يكفي إذا لم تصاحبه عملية مراجعة وتقييم لأولئك الذين تربوا تربيةً إيمانية، وانطلقوا بحب وشغف والتزام بالرسالة في بداية الأمر، لأنهم هم المعرضون للإصابة بمرض اللامبالاة والفتور قبل غيرهم، بل هم الناقل للعدوى إلى بقية أبناء المجتمع، وهذا ما دلت عليه الأحداث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.
وهكذا ندرك أن السابقة في الجهاد والبذل وتحمل المعاناة في ظل النبي لم تكن مانعاً من ألا تتحرك أطماع بعض هؤلاء، فيعملوا على حرف مسار الحكم في الإسلام، وينازعوا الأمر أهله، وعلى الرغم من انحرافهم ذاك ظلت النظرة إليهم في ذلك الحين وحتى اليوم هي نظرة تقديس واحترام، كونهم صحابة كبارا، وهم الذين نأخذ عنهم كلام رسول الله، فكيف يمكن لهم أن يخلوا بالمسار العملي والتطبيقي لهذا الدين؟
وعليه فقد أوجد المسلمون قاعدةً تقول: إن المصيب منهم له أجران، والمخطئ له أجر واحد فقط، وهذا كان استجابة لما تمليه العاطفة تجاههم، وليس استجابة لما تقرره تعاليم الشارع الحكيم، وتؤكده حركة الرسول الكريم صلوات الله عليه وآله.

أترك تعليقاً

التعليقات