مكمن كل خلل
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يتجه القرآن الكريم إلى النفوس باعتبارها الساحة التي متى ما طُهِّرَت من أدرانها، وتخلصت من جميع الشوائب التي علقت بها، وتعافت من سائر العلل المرضية التي أصابتها، وتحررت من جميع القيود التي تمنع من حركتها، وتجاوزت كل العوائق والأسوار والعقبات التي تحول بينها وبين اكتشاف قابلياتها واستعداداتها لاكتساب المعارف والخبرات، وبناء القدرات التي يتم بموجبها تفجير جميع الطاقات الخيرة، استطاعت تلك النفوس تحويل كل ميادين الحياة وساحات الواقع إلى صورة طبق الأصل منها، بحيث تصبح تلك النظم الأخلاقية والمبادئ الإيمانية والمعارف الدينية مظهراً ضابطاً للسلوك، وموجهاً للحركة، بالمستوى الذي يعطيك الفكرة عن مدى صدق الالتزام من خلال الشواهد المتجسدة في واقع القرآنيين العملي، الذي يجعل من جميع ما تعايشه في الواقع من حولك مظهراً تعبيرياً عن مدى تداخل وانسجام العقيدة في بعدها التصوري الذهني والوجداني مع الجانب العملي والسلوكي الذي يعطيك القناعة بما تسمع من خلال إبرازه له في سياق ما تراه وتلمسه في الواقع على كل المستويات، لذلك أراد لنا الله سبحانه وتعالى، التحديق في القرآن ككتاب هداية وتشريع ونظام للحياة، يعطينا المحددات التي تخلق التصور للكون والإنسان، ويمنحنا المفاتيح لاكتشاف أسرار الطبيعة بناءً على ما تقرره تعاليمه جل ذكره، من علاقة بيننا وبين كل مظاهر الوجود من حولنا، كل ذلك لتصبح حركة الحياة كلها قائمة على نظام واحد ومتجهة نحو غاية وهدف محددين ومعلومين.
ولعل الفكرة التي ترد على الذهن وهو يسير معنا في زوايا هذه الكلمات هي: مادامت القضية بهذا المستوى من الوضوح والعمق والقوة والدقة فكيف حصل ويحصل الانحراف؟ ولكي نحاول التوصل إلى الإجابة الدقيقة نوعاً ما علينا التحرك لمواجهة هذه الفكرة من خلال الإشارة لعدة نقاط هي:
أولاً: إن المسلمين عادةً ما يتعاملون مع النص القرآني بطريقة جامدة، فتارةً يعودون إليه باعتباره الأصل في عقيدتهم وعبادتهم ونظام حياتهم، ولكنها العودة الهزيلة والهشة والمشتتة وغير المدركة لما تريد، ولذلك تتناول القرآن بعيداً عن زمانها وواقعها وهمومها في حاضرها وتطلعاتها لبناء مستقبلها، وتارةً تأتي جماعة لتأخذ من القرآن ما يتفق وبعد حركتها المرحلية في مواجهة خصومها والسيطرة على الساحة كلها، وتغفل عن بقية الآيات، وبالتالي تظهر جميع أعمالها ومعالجاتها وتوجهاتها شوهاء مخيفة، لكونها قامت على النقص الذي هو أصل في البنية والتركيب.
ثانياً: وجود الكم الهائل من النصوص والمرويات التي تتعدد بتعدد المذاهب والطوائف التي استطاعت الاستحواذ على الواقع الإسلامي وتمكنت كل طائفة من صياغة عقلية المنتمين إليها صياغةً تجرم استنطاق النص خارج إطار القواعد المعمول بها من قبل تلك الطائفة، وجعل كل من يتمرد على المألوف كافرا وفاسقا وضالا.

أترك تعليقاً

التعليقات