يد المزرين قاتلة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كلما أسدلنا الستارَ على وجعٍ ما بدت لنا أوجاع أكثر إيلاماً من ذلك الوجع، إلى المستوى الذي يصعب عنده غض الطرف عنها، أو منع الأنين المتصاعد من بين حنايانا باستمرار كانعكاس طبيعي لما تتركه في ذواتنا من آثار تدميرية ونتائج قاتلة لكل شيءٍ لايزال يشعرنا بنبض لحياةٍ كريمةٍ من حولنا، ووميض شعاع أملٍ بغدٍ أفضل يلوح لنا من بعيد.
لم تكن هذه الأوجاع التي نعيشها وليدة اللحظة، أو بنت الصدفة، وإنما كانت عصارة لتراكمات من المآسي والجروح التي حدثت في مختلف المراحل السابقة، وألقت بظلالها على الحاضر، ونخشى أن تمتد إلى المستقبل، لأننا لانزال نتعهد منابتها وجذورها بالحماية والرعاية اللازمة لنموها وعودتها مجدداً، ولربما بصورة أكثر من ذي قبل، وذلك لكون الكثير من أصحاب القرار نائمين في العسل، غير مدركين ما الذي يعنيه وجودهم على رأس السلطة في بلدٍ تعرض لشتى صنوف القتل مادياً ومعنوياً، وواجه مختلف التحديات التي سعت للقضاء عليه أرضاً وإنسانا ومؤسسات على مدى أكثر من ستين عاما، ولو أنهم حملوا نسبةً بسيطةً من الإدراك لكل ذلك لاتجهوا لإعادة الاعتبار لكل شيء تعرض للمحو والتجريف والإلغاء، بدءا من إعادة الاعتبار للإنسان اليمني الذي تنازعته الكثير من الآفات المعيشية والفكرية والصحية والاجتماعية وغيرها، ووجد نفسه بين مطرقة الفقر والفاقة وسندان الوهابية والعمالة والارتزاق والخيانة، كضحية لعصابات حكمته لعقود، تمكنت خلالها من إماتة هويته، والقضاء على وعيه، وإفقاده كل إحساس يوحي له بأنه ضمن مجتمع واحد، يشاركه في حمل هم الوجود والمصير، ويسعى معه لإيجاد سبل تحقيق الحياة الكريمة للجميع، حتى وصلت به في نهاية المطاف إلى القناعة المطلقة بأن عليه أن يصنع وطنه الخاص به كفرد لا علاقة له بالمجتمع، ويبحث عما يؤمن له سبل العيش، حتى وإن كان ذلك على حساب المجتمع كله، فالمهم هو، وليذهب الجميع إلى الجحيم.
ثم متى ما تمكنا من إعادة الاعتبار للإنسان سنتمكن من إعادة الاعتبار للأرض من كل النواحي، ومن ثم تقام مؤسساتنا على أسس واضحة وسليمة، بحيث يصبح الوعي العام تجاه القتلة المعتدين خارجياً بضرورة التصدي لهم، هو ذاته المنطلق بذات القوة والفاعلية لمواجهة القتلة بتفريطهم واستهتارهم وعجزهم ولامبالاتهم وعنجهيتهم وغرورهم من الداخل، أياً كان مستواهم في التأثير وموقعهم في المسؤولية، ومهما كان حجمهم وما يملكون من مقومات النفوذ والسطوة والقوة، إذ لا فرق بين مَن يقتلنا بأفتك الأسلحة، وبين مَن يقتلنا بالمبيدات والأدوية المهربة والمنتهية الصلاحية، وإن تعددت الطرق، وتنوعت الوسائل، واختلفت الأساليب بين قاتل وقاتل، فالنتيجة واحدة.
ليت سلطة الوضع المزري وعت شيئاً من نهج رئيسنا الشهيد الصماد عليه السلام، ولو بالحد الأدنى، ولكنها انصرفت عنه، فتم لها بذلك الانصرافُ عن الثورة ومشروعها، وباتت بكل ما تقوم به شاهدةً على أن الباطل هو المنتصر على الحق، مهما كان الحق جلياً للعقول والعيون!
وقد قال أبو الفضل يوماً ما لو كان المزرون يعقلون: «أنت في مقام العمل لله ستقدم شهادة من خلال عملك، فإما أن تكون شاهداً لله، وإما أن تكون شاهداً للباطل، لأن هذه المرحلة هي المرحلة الوحيدة والأخيرة من زاوية ما ستتركه من أثر في الوجدان العام، فإذا أحسن المعنيون استغلالها ضمنوا العزة والفلاح للمسلمين والمستضعفين، وإذا قصروا كانوا هم القاتل لآخر أملٍ احتفت به الأمة واعتبرته سبيل الخلاص من كل المعاناة والقهر والاستلاب، فلن يثقوا بعدها بدين ولا بمصلح اجتماعي».

أترك تعليقاً

التعليقات