مع الكرادسة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
إننا لن نتمكن من تحقيق ما نرجوه من تغيير وبناء واقعنا إلا متى ما عملنا أولاً على إيجاد المناخ والبيئة المناسبة لولادة المثقّف الثوريّ. المثقف الذي تكون مهمته هي أن يكون في قلب المواجهة، وأن يعيشَ متمرِّدًا على الواقع وشروطِه، من أجل تجاوزه، لا من أجل قبوله أو التكيّف معه؛ ومهما ضاقت السبلُ به، واشتدّ الحصار، فسيظلّ في وسعه أن يصنع ثقافةَ الاشتباك كطريقة عيشٍ وسلوكٍ وحياة، ولو بدا الانتصارُ الآن أقربَ إلى المستحيل.
وما لم يتم السعي في سبيل هذا الهدف فإن قادم الأيام سيطالعنا بنموذج آخر من المثقفين، نموذج بدأ تخلقه يظهر للعيان اليوم في أكثر من موطن، نموذج يحمل الوجه الثاني القبيح لعملة المثقف. نجده في قصة فرناندو كاردوسو، التي نحاول من خلالها التنبيه من خطورة الكرادسة الجدد.
كاردوسو هو مثقف برازيلي مشهور وعالم اجتماع يساري، اختير مفكر العام بسبب كتاباته الجريئة عن الفقر وظهور الطبقات الاجتماعية نتيجة لطغيان الرأسمالية، وحظي كاردوسو بشعبية لانتصاره لمآسي الفقر وتدني مستويات الضمان الاجتماعي. خلال تلك الفترة، وصلت ديون البرازيل إلى مستوى غير مسبوق، بسبب ضغط الدائنين على الحكومة لإعادة الهيكلة، وتنفيذ سياسات مالية تضمن عائدا ماليا يسدد على الأقل فوائد الديون، ويسمح بسياسة اقتصادية تقشفية لصالح الدائن الأمريكي. كان لا بد من منفذ للسياسات المتشددة والموجهة ضد الإنسان الفقير. وحدث أن اختير كاردوسو وزيراً للمالية، لشيوع حالة الرضا عنه وسط الشارع البرازيلي. وشعر الدائنون بتخوف من تاريخه النضالي ضد الرأسمالية المتطرفة، لكن سرعان ما اطمأنت عندما قال في اجتماع مع كبار المصرفيين: انسوا كل ما كتبته قبل اليوم.
وخطورة هذه النوعية من المثقفين تكمن في ما يمتلكه من سلطة علمية تمكنه من أسر عقول الناس في ظلها، وسوق وعيهم إلى ما تريده السلطة، خاصة مع ضحالة المستوى المعرفي لأغلب الجماهير، ومع ميل الجمهور العربي والإسلامي للترميز السريع، بل لتقديس الرمز وتصديق كل ما يصدر منه، وهي عقلية تم بناؤها تاريخيا، وتضافرت في بنائها الأنظمة المستبدة، من خلال نُظُم التعليم المتبعة في المدارس، وهيمنة الجانب الديني المحرف والمنحرف الذي تم عبره ضرب وعي المجتمعات واستعبادها، وتجريم النقد للسلطات مهما كان سوءها وظلمها وتعديها على الناس!

أترك تعليقاً

التعليقات