لا بد من التوازن
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لايزال بعض المحسوبين على الجانب التوعوي والتعبوي والتثقيفي في يمن الثورة والجهاد مصرين على تأبيد حالة التخلف في الوسط المجتمعي، وذلك بصرف جل وقتهم في إشعال معارك جانبية، والانصراف عن المعارك الأساسية والمصيرية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: فإن هذا البعض يعمل باتجاه فصل المجتمع المؤمن عن بعضه البعض، بحيث يحول العلاقة القائمة بين المؤمنين والمؤمنات، من علاقة قائمة على الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، علاقة تستوجب المحبة، وتدفع باتجاه التعاون والنصرة، وتعزز الوعي بضرورة العمل في خط المعروف، وتدعيم سبل بقائه وتعميم معانيه ومفاهيمه ومنطلقاته على الساحة الاجتماعية برمتها، والسعي لمحاربة المنكر بكل صوره وأشكاله، مع تجفيف منابعه، والقضاء عليه واستئصاله من جذوره، إلى علاقة تستوجب القطيعة بين الطرفين، وتنصب الحواجز والموانع في طريق كلٍ منهما، فالرجال يتحركون بحسب ما تمليه عليهم الطبيعة الذكورية، بعيداً عما تقرره التعاليم والقيم والمبادئ الدينية، في كل ما يخص المرأة، والمرأة تصبح كائناً متخلفاً في فكره وثقافته، ضعيفاً في إرادته، منبوذاً في محيط ودوائر العمل العام، ليس له من أهمية في الحياة إلا بقدر ما يعطيه للرجل من الخدمة داخل البيت، ولا خيار له سوى الخضوع المطلق للرجل، دون أن يكون له أي رأي في قضية من القضايا، أو اعتراض على أي أمر من الأمور، كما ليس من حق هذا الكائن الإنساني التفكير بالقيام بأي عمل خارج البيت على الإطلاق، فليس هنالك من عمل يليق بالمرأة من وجهة نظر هؤلاء سوى عملها في بيت الزوجية، فهي الزوجة التي تقوم على خدمة الزوج، والأم التي تصرف كل وقتها وجهدها وفكرها وعاطفتها في تربية ورعاية الأسرة، ثم لا دور لها في بناء الحضارة الإنسانية العامة، ولا نشاط لها في مواجهة الأخطار التي تتهدد وجود الجميع.
من هنا يأتي تصنيف أي دور للمرأة أو نشاط خارج بيت الزوجية من قبل هذا البعض الذي سبقت الإشارة إليه أعلاه: ضمن المحرمات، باعتباره مظهرا من مظاهر الفساد الأخلاقي الناجم عن الاختلاط، متجاهلين أن الإسلام لم يمنع الاختلاط بين الجنسين بشكل إلزامي إلا في الدائرة التي تؤدي الانحراف الأخلاقي، أما الاختلاط الذي يضع الحدود والضوابط الأخلاقية التي تجعله متوازناً منضبطاً فإنه لا يبتعد عن الإباحة الشرعية، على أساس التربية الإسلامية التي تعمل على تأكيد الالتزام الإسلامي في شخصية كلٍ من الرجال والنساء، وليتهم قبل أن يقوموا بإصدار أحكامهم تلك، اطلعوا على التجارب الكثيرة التي عاشتها المسيرة الإسلامية في الماضي والحاضر، ولو تم لهم ذلك، لأدركوا: أن الانضباط في الحدود الشرعية ليس أمراً بعيداً عن الواقعية في التجربة الإنسانية، ولعلموا أن وجود بعض الظواهر السلبية في الدائرة الأخلاقية الناتجة عن الاختلاط هنا أو هناك لا تعني سقوط التجربة أبداً.
أما مَن يريدون اختزال دور المرأة وشخصيتها ونشاطها في دائرة الأمومة وما تتطلبه من رعاية وتربية وحمل وإرضاع فقط، فهم يقولون بشكل أو بآخر: إن على المرأة أن تتخلى عن جزء من دينها وإنسانيتها، فمتى كانت الأبوة تفرض على الرجل التخلي عن الشؤون العامة، والتخلف عن واجب الجهاد والنصرة لأبناء أمته؟ وأحسبني لا أبالغ إن قلت: إن دور المرأة كأم ليس كل حياتها، كما أن دور الرجل كأب ليس كل حياته، لهذا كان لا بد من التوازن، في ميادين العطاء والحركة على الصعيدين العام والخاص.

أترك تعليقاً

التعليقات