ورد ومورد «الحلقة التاسعة»
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
إن من يعيشون الخوف من الله وينطلقون على أساس كتابه الكريم الذي هو مفتاح الوصول إلى سبيل التنعم بنعمه وسلم الوصول إلى مواقع القرب منه ونيل رضاه واستجلاب معيته ولطفه ورحمته واستنزال رعايته وعنايته، حساباتهم مختلفة ونظرتهم بعيدة وآفاقهم واسعةٌ، إذ إنهم حسبوا حساب الله، فكانت المعايير المعتمدة لديهم في جميع ما تتطلبه حياتهم هي معايير إلهية مكنتهم من معرفة الحقيقة التي تقول إن كل مالك مُلك لا يملك من نفسه شيئاً.
ثم يطل الإنسان على ما حوله ليشهد مدى ظاهر العظمة التي تفرد بها الله العلي العظيم سبحانه، فيرى البحار الكبيرة والواسعة والعميقة ذات الأمواج المتلاطمة والتي تحتوي في محيطها عالماً من المخلوقات العجيبة والكثيرة والمتنوعة وتضم الكثير من الثروات والجواهر والكنوز النفيسة، وقد سخرها الله له وهيأ له التنقل والحركة من خلال هذه البحار ليجوب قارات العالم بتلك السفن الكبيرة والفُلك العملاقة التي تبدو على سطح الماء للعيان كالجبال وهي تمخر الماء وتجري عليه بسهولة ويسر مع ما فيها من حمولات هائلة، فبعضها يحمل مئات الآلاف من الأطنان من مختلف ما يحتاجه الإنسان في حياته، فمن الذي يجريها؟! ومن الذي ألهم هذا الإنسان اختراعها وصناعتها؟! ومن الذي وفر له المواد التي يصنعها منها؟! إنه الله سبحانه مالك الملك ومجري الفلك لا إله غيره ولا رب سواه.
ثم عندما يتأمل الإنسان في الرياح وحركتها يجد أنها تتحرك وفق نظام دقيق بما يحفظ لهذا الكون توازنه ويضمن للحياة سلامتها واستمراريتها، فبعض المناطق تحتاج لرياح باردة وبعضها تحتاج لرياح دافئة والبعض منها يحتاج لرياح شديدة وعاصفة وبعضها الآخر يحتاج لرياح لطيفة وهادئة... فمن هو الذي سخرها بهذه الدقة اللامتناهية؟! إنه الله، فهو سبحانه مسخر الرياح.
وكذلك عند دراسة حركة الزمن وتنوعه بين ليل ونهار، يزداد المؤمن انشداداً إلى ربهـ فذلك الليل المرخي سدوله على هذا الكون والملقي بأستار سواده وحجب ظلماته على هذا الوجود حتى يشعر الإنسان بأن كل شيء قد سكن من حوله، وفجأة يطل بصيص نور من بعيد ثم يكبر ويكبر ويكبر شيئاً فشيئاً إلى أن يطلع من قلب الظلام صبحٌ جديد يوحي بتجدد الحياة من خلال يوم جديد وفرصة جديدة للحياة والتحرك بحركتها وقد تلاشت كل تلك الظلمات وتبخرت، والشمس ترسل أشعتها قبلاً على رؤوس الأشهاد وتبعث بدفئها تسبيحات لله وتوحي بمظاهر توجه الخلق بالمزيد من الحمد له، فهو الذي فلق ظلمة الليل وأخرج من قلب تلك الظلمة الإصباح.
وهو سبحانه ديان الدين، أي الحاكم فيه والمشرع له والفارض لأحكامه والمظهر له ولو كره الكافرون، وهو رب العالمين المهيمن على كل الوجود والغالب لكل الموجودات وصاحب الأمر في كل شيء. فهل تظل في النفس بعد كل هذا مظاهر تشدها لغير الله؟! وهل بقي ثمت عظمةٌ لأي أحد لا تُرى صغيرةً عند مقارنتها بعظمة الله سبحانه؟!
بالطبع لا وألف لا، فهو العظيم الكبير العلي العزيز القادر الحكيم المالك القادر الرحمن الرحيم... وسواه الصغير الحقير الضعيف الفقير العاجز المحدود القاصر المملوك الفاني الميت المندثر الزائل، مهما استعظم نفسه وبرزت مظاهر قدرته وظهرت قوته.

أترك تعليقاً

التعليقات