ثم ماذا؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
أي مظلوميةٍ ترقى لمثل مظلومية الملك الحميري يوسف أسار يثأر (ذو نواس)؟ لا شك لن تجد لها مظلومية تماثلها، سوى مظلومية الحقيقة الخالدة (الإمام علي بن أبي طالب) الذي تم اعتبار سبه ولعنه على المنابر قرابة نصف قرن من لوازم الدين، وسبل التقرب إلى الله! كذلك هو الحال مع الإمام الحسين، الذي خرج للإصلاح، وإعادة الدين إلى صفائه وقيوميته، فاعتبره المؤرخون والكذبة والطغاة والهمج الرعاع: خارجياً، شاقا لعصا الطاعة، شاربا للخمر، مرتكبا للموبقات، تم قتله بسيف جده.
كل هذا تم والناس لايزالون على عهد قريب بالرسالة، بل لم يكمل الإسلام من عمره قرنه الأول! فما بالك بمظلومية الملك ذي نواس؟! الذي هو وكل الذين ناصروه وآزروه، وقاتلوا معه المحتل الحبشي وعملاءه؛ هم دعاة ذات النهج، وحملة لواء الوحدانية، والذين تنطبق عليهم شهادة النبي الأكرم بأن (الإيمان يمان) وهم وحدهم بقيادة هذا الملك (الذين تبوؤوا الدار والإيمان) وهم المنتظرون لبشارة عيسى، المعدون لها عدتها. ولم يكفروا بالله، ورفضوا الثالوث، وجاهدوا من أجل الدين الخالص.
هؤلاء هم الأنصار لعيسى ومحمد، والمسلمون الحنفاء الرحمانيون، الربيون، هؤلاء من أرادت لهم الكنيسة الرومانية والحبشية والروايات السريانية لكهنة الأرثوذكس المنوفيزيين، وأحلافهم من أموية ومخزومية وأشاعرة، أن يظلوا يهودا، قتلة، يحرقون كل مؤمن بالله، مطوعين حتى مناسبة نزول سورة البروج لذلك الهدف، فيتم اختراع أخدود، أو إلباس منطقة اسمها الأخدود بنجران ثوب الأخدود المذكور بهذه السورة المباركة، فنأتي نحن ونقول بأن تلك الثالوثية الدخيلة على اليمن حينها، التي حاربها ذو نواس، هي الموسومة بالإيمان، متناسين أننا بهذا الوهم قد جعلنا القرآن متناقضاً! إذ كيف يحارب الشرك بالله، ثم ينتصر لعبدة الأقانيم الثلاثة؟!
ثم ماذا؟
لا شيء أقوى ثباتاً ورسوخاً من الحقيقة! فها نحن نجد بعد قرابة ألف وخمسمائة عام مَن ينتصر للملك يوسف أسار، ويظهر الحقيقة التي تتعامى عنها عيون باحثينا ودارسينا. وهو كتاب (الرحمن اللغز الأكبر) لنشوان دماج، الذي كان بحق صفعة للكنيسة، وسدنتها، وتعريةً لدراسات المستشرقين ذات الهوى التوراتي، وبياناً لمدى جهل باحثينا ومؤرخينا العرب، الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتدقيق، ولم يفعلوا شيئاً سوى أنهم نقلوا ما تبنته تلك الدراسات الاستشراقية، وتضمنته روايات منوفيزية متعصبة كشمعون الأرشمي، وكتاب الشهداء الحميريون.
لقد دحضت النقوش التي تؤرخ لتلك المرحلة كل تلك المزاعم، وكان لصاحب هذه الدراسة الفضل في بيان محتواها. ثلاثة نقوش فقط، توسل كاتبوها بالرحمن ومحمد والصالحين من عباد الرحمن، أن يحفظها من كل خراب، أو تحريف أو اختفاء، فبقيت شاهدة على أن الصراع لم يكن صراعا بين ملك يهودي ومسيحيين، بل كان صراعا بين ملك يدين بالوحدانية، يؤمن بالتوراة والإنجيل، يرى عيسى عبد الله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وينتظر ظهور بشارته، وهو يمثل عامة شعبه، ويعبر عن قناعاتهم، ويحمل ذات الوجهة والهدف اللذين يحملونهما، وبين محتل يريد فرض مسيحية منحرفة شركية ترى الله ثلاثة أقانيم، وجموع من المرتزقة توزعوا بين السواحل الغربية ونجران.
هذه هي الحقيقة. وأما مَن أراد الاستزادة في التثبت فليرجع لمحاورات الملك ذي نواس مع هؤلاء، الذين جعلوه يهودياً فقط لأنه يقول: إن المسيح عبد الله ورسوله، وليس ابن الله، وربا، كما يزعمون.
ولذلك كانوا يخاطبونه بالقول: «أيها اليهودي، الصالب ربنا». فعن أي صراع ديني يتحدثون؟ وماذا يعنون باليهودي؟ كلها تساؤلات منطقية قد أشبعها كتاب الرحمن بحثاً وتنقيبا.

أترك تعليقاً

التعليقات