مغالطات ذكورية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كثيرون هذه الأيام في بلدنا وبعض البلدان الإسلامية هم المتحدثون عن الزهراء عليها السلام، الذين يحاولون الاستفادة من ذكرى مولدها لكي يضعوا بين يدي المرأة المسلمة القدوة والنموذج الذي يجب اتباعه، ولكن معظم هؤلاء لايزالون ضحايا العرف والعادة في طريقة تناولهم للزهراء شخصيةً ودوراً وسيرةً وسلوكاً ومقاماً ومواقف، غير قادرين على تجاوز الحجب والظلمات الفقهية والقبلية التي حالت دون معرفة أم أبيها عليها السلام المعرفة الحقيقية، التي تستطيع أن تقدم للمرأة المسلمة المعاصرة المضامين الكاملة التي تحتاجها في بناء شخصيتها، ومعرفة موقعها ودورها، وفهم واقعها، واستعادة ثقتها بنفسها.
إن معظم ما يُقدم للمرأة المسلمة في يومها العالمي هو عبارة عن مسكنات لآلامها الطويلة، وأمراضها المزمنة لا غير، فقد قال العرف كلمته، وهي: إن المرأة ليست سوى الأم والزوج والمربية، والقائمة على خدمة الأسرة المنزلية، وما عدا ذلك فليس سوى تشبه بالغرب، وأمور أخرى تؤدي جميعها لشيوع الفساد والإفساد والتحلل والانحلال الأخلاقي، وانتفاء العفة والحياء وغير ذلك، وهي مغالطات ذكورية لا علاقة لها بالدين وإن حاول أصحابها أن يصبغوها بصبغته، ويضفوا عليها طابعه لكي يمرروا بضائعهم الفكرية والثقافية فقط، أما لو دققنا النظر أكثر فسوف نجد أن المرأة التي يقدمونها كنموذج؛ ليست تلك المرأة التي يقدمها الإسلام، ولا تلك التي تخرجت من مدرسة الرسول الأكرم الشاملة صلوات الله عليه وآله، وهي التي تشارك في جميع المجالات، وتتحمل مسؤولية البناء والتغيير في الحياة والمجتمع مع الرجل سواءً بسواء، فهي الحاضرة بمالها ونفسها وولدها في ساحة التضحية دفاعاً عن الحق، كخديجة والزهراء وزينب، والمتصدية للباطل والضلال والانحراف كفاطمة عليها السلام حينما قامت خطيبةً على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، بعد انقلاب السقيفة، والمتنقلة بين أحياء الأنصار مذكرةً بطبيعة الكارثة التي حلت بهم، بعد أن فارقوا موجبات كمال الدين وتمام النعمة المتمثلة في ولاية أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، ومثلها كانت زينب، التي حملت لواء الثورة الحسينية، وجسدت معاني الإسلام العلوي المحمدي، وكانت سفيرة الحق بكل تجلياته وأبعاده. هذه هي المرأة في عهد النبي الكريم صلوات الله عليه وآله، والتي تم تغييبها بعد ذلك، ولاتزال مغيبة حتى اليوم.
لقد تراجعت مسيرة المرأة المسلمة بعد عصر النبوة تراجعاً كبيراً، وأصبح دورها في الحياة دوراً منكمشاً محدوداً، إذ تم عزلها عن المشاركة الميدانية، ولم يعد لها أدنى وجود في كافة المجالات والنواحي الاجتماعية، وأصبحت السمة الغالبة على وظيفة المرأة مقتصرة على دورها الأسري كأم ومربية وزوجة وخادمة في المنزل، الذي لا يجوز لها التفكير في العمل خارجه مطلقاً، وهكذا تتابعت الأيام والسنون على المرأة المسلمة، التي ظلت على حالها، بحيث قرر العرف جعلها رهينة بيت الأمومة والزوجية، لذلك وجدنا التأويلات الفقهية تصب في خدمة ما ساد في البيئة الاجتماعية من أعراف وعادات، وذاك ما تؤكده الأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة التي لطالما كانت انعكاساً طبيعياً لتأثر كل فقيه بما يسود في زمانه من أعراف وعادات وتقاليد لا علاقة لها بنص الشارع الحكيم، ولا مسوغ ديني لها من قول أو فعل أو تقرير رسول الله صلى الله عليه وآله، إلا من خلال الاتكاء على الدس والتحريف والنصوص المكذوبة والمختلقة.
لذا غابت النظرة الواقعية للإسلام في ما يتعلق بالمرأة، لتحل محلها النظرة الذكورية التي غيبت نصف المجتمع، وعطلت النهوض به على كل المستويات والأصعدة.

أترك تعليقاً

التعليقات