كيف هُزم الحق عبر التاريخ؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
السكوت عن التنظيرات الخاطئة، والأفكار المنحرفة، من قبل الواعين في أي مجتمع من المجتمعات، بحجة أن هناك أموراً وقضايا أهم يجب العمل عليها، ولا يجوز تحت أي ظرف من الظروف تركها والالتفات إلى سواها هو: خيانةٌ لله ولرسوله وللمؤمنين، لأن تلك التنظيرات والأفكار ستتسع دائرتها مع الأيام، وذلك من خلال قدرتها على التأثير بناقصي الوعي، وقاصري النظرة، وعديمي البصيرة، فتجتذبهم إلى صفها، وشيئاً فشيئاً ستصبح هي المبنى الأساس الذي ستستند إليه الثقافة العامة لكافة أبناء المجتمع، والمصدر الوحيد الذي يحدد لهم الآلية التي يعتمدون عليها للتوصل إلى تحقيق القناعة في أي شيء من الأشياء المتعلقة بقضايا الناس، والداخلة في جميع شؤون حياتهم، من نظم وقوانين وأفكار ومعتقدات، وعبادات وأعمال وعادات وسلوكيات، وبالتالي سيجد الظالمون والطغاة والانتهازيون والجبابرة في ذلك كله المسوغ الذي يعطيهم الحق في كل ما يمارسونه بحق أبناء مجتمعهم من ظلمٍ وتعدٍ وجور، وقتلٍ وسلبٍ واستبداد واستعباد، واحتكارٍ لكل شيء، فهم الحق المطلق الذي لا يمكن لأحد أن يجرؤ على مجرد التفكير فقط بمخالفته، والمعيار الذي بمدى الالتزام به تتجلى القيم الأخلاقية، وتبرز معالم الدين القويم، وهكذا يصير الباطلُ حقاً، والحقُ باطلاً، كنتيجة طبيعية لما جناه الساكتون من أهل الحق، الذين بسكوتهم عن نصرة الحق، واتخاذهم موقف الحياد بين ما هو حق وما هو باطل، كانوا بحسب تعبير أمير المؤمنين علي عليه السلام، هم: «الذين لم ينصروا الباطل ولكنهم خذلوا الحق».
ولقد كان المانع من إقامة دولة العدل الإلهي، على يد قرناء الكتاب عبر التاريخ هو وجود قاصري النظرة، وعديمي الوعي، وطالبي الراحة والسكون، والمستريحين إلى الجهل، ضمن المجتمع المكلف بالقيام بمهمة النصرة والمساندة لبلوغ ذلك كهدف من أهداف الرسالة، فهم الذين يهزمون جند الله وأوليائه معنوياً، ويتمكنون من إسقاط المجتمع من الداخل، قبل أن يسقط على يد عدوه الخارجي، بزمن طويل، وراجعوا التاريخ.
ونحن اليوم بتنا نجد في واقعنا مثل هؤلاء، ولو كان هناك صدق في الولاء لعلم الهدى، وتوجه حقيقي في التزام النهج، من قبل المسارعين في إصدار أحكام التخوين والتفسيق والتبديع والتكفير، لانعكس ذلك على نفسياتهم وسلوكياتهم، وطرق تعاملهم مع الناس والقضايا والأفكار من حولهم.
وقد اختلطت عليهم الأمور إلى الحد الذي جعلهم يخلطون بين مقتضى التسليم الذي أراده الله، وبين مقتضاه الذي حدده فرعون، وسارت عليه كل قوى الطاغوت عبر الزمن.
والغريب أن معظم هؤلاء الذين تشابه البقر عليهم، كانوا أول مَن يقوم بنشر أبرز ما ورد على لسان المولى سيد الثورة في دروس شرح العهد! ولكن الواضح غلبة السمة الحميرية عليهم، إذ لو كان لديهم ذرة من عقل لعادوا إلى العهد، واستوعبوا الحدود والمعايير التي يضعها الإسلام الأصيل، لبيان علاقة الحاكم بالمحكوم، وحقوق وواجبات ودور كلٍ منهما، وأنّا لهم ذلك؟ ناهيك عن أن يعودوا للملازم، كي يستوعبوا ويدركوا هذا المفهوم لوحده، دون بقية المفاهيم.
وأما ما يزيد الطين بلة، فهو عندما يقوم أحدهم بالاستدلال على فرط جهله وغبائه بقوله تعالى على لسان خليل الله وابنه إسماعيل «يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى، قال يا أبتِ افعل ما تؤمر...»، ولم يلتفت لما توحي به كلمة: انظر ماذا ترى، ولا دلالة قول إسماعيل: افعل ما تؤمر، فمع أن القضية قضية وحي، والمكلف نبي، والواقع عليه الأمر بتسليم رقبته نبي، ولكن تُرك له المجال أن يختار، بين أن يقبل أو يرفض، فكان للأثر التربوي والإيماني دوره، في بيان الأمر لدى الابن، باعتباره وحيا وأمرا إلهيا، فسلم لذلك، مستعيناً بالصبر على تنفيذه، وخاضعاً لما اقتضته حكمة الله، وحددته مشيئته تبارك وتعالى.

أترك تعليقاً

التعليقات