إمام الفوضوية واللادولة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
الجدل حول ضرورة وجود الدولة أو عدمه جدل قديم. حدث في نطاق علم الكلام السياسي الإسلامي على هامش انقسام المسلمين إلى فريقين: سنة وخوارج. سنة هنا ليس المقصود به المذهب الفقهي بل المقصود إجماع المسلمين على ضرورة قيام الدول وحفظ النظام العام سواء أكان الحاكم برًّا أو فاجراً؛ وهو مذهب الفكر السياسي عند الشيعة والسّنة مقابل موقف الخوارج الذين رفضوا مبدأ الحكومة والدولة وقالوا: لا إمرة؛ لكنهم سرعان ما بنوا لهم دولاً صارمة في التاريخ الإسلامي.
تلتقي فكرة الخوارج مع سائر الفوضويين بمن فيهم فوضوية القرن التاسع عشر بخصوص الموقف السّلبي من الدولة.
تأثير الفوضوية أو الخوارجية على الفكر السياسي لا حدود له. لقد غلبت الفوضوية على سيد قطب الذي كان له الأثر البارز على الأدبيات السياسية للحركة الإسلامية في كثير من البلاد العربية.
كانت فكرة الحاكمية وفلسفتها ذريعة عند المودودي للظفر بدولة إسلامية مستقلة عن الهند. لكنها أصبحت مع سيد قطب نبذاً للدولة حتى لو كانت دولة المسلمين.
لا شكّ رغم التشابه الكبير بين سيد قطب وملهمه المودودي، في وجود خلاف كبير بينهما. دعا المودودي إلى دولة إسلامية بمعناها السلطاني دون أن يدري بينما احترز سيد قطب عن تفصيل الدولة، لأنّه كان يعيش المعنى المثالي للخلافة التي لم تقع. لذا بقدر ما حاول المودودي البحث عن ذرائع للسياسة الشرعية لعثمان بن عفّان، كما فعل في كتاب «الخلافة والملك»، كان سيد قطب عاجزاً عن إعذاره كما فعل في كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام».
لذا نجح المودودي في بناء الدولة لأنه نظر إليها كدولة وسلطنة حتى وهو يتحدث عنها كخلافة، بينما عجز سيد قطب عن بناء دولة لأنه نظر إليها كلادولة، كطوبى، ومع ذلك قاده الوعي الشّقي الذي أنتجه الالتباس التّاريخي عن مفهوم الخلافة وعلاقته بمفهوم السلطنة كي يكون شهيد طوبى الحاكمية. وكانت أن وجدت هذه الفكرة صدى وقابلية للاعتقاد من قبل صنف من المتلقين، لأن الثقافة الفوضوية مقنعة ولها جذر في الثقافة العربية والإسلامية؛ في البداوة التي تناهض فكرة الدولة، وفي الخوارجية التي قالت: لا حكم إلاّ لله، وفي طوبى الخلافة التي لم تتحقق في التّاريخ.
فلقد وجد في الفكر الإسلامي ومفهوم الحاكمية أفضل تعبير عن نزعته الفوضوية تجاه تسلط الدولة. فلا يوجد فرق بين ما دعا إليه برودون حينما قال: «حكومة الإنسان للإنسان عبودية». وما دعا إليه قطب في أصل رفض تسلط الإنسان على الإنسان حينما نزع في «معالم في الطريق» إلى أن تشريع البشر للبشر هو في حكم استعباد البشر للبشر وانتزاعاً لأخصّ خصائص الألوهية التي هي الحاكمية.
لم يشغل سيد قطب نفسه بطبيعة القيادة في الدولة الإسلامية وما هي خصائص الحاكم. فأمام كل تساؤل حول فقه الدولة وسياساتها كان سيد قطب يجيب بتأجيل هذا الجواب إلى حين تأسيس الدولة. لقد اهتم سيد قطب بالقضية الكلية في مسألة الحكم والتسلط. لكنّه عزف عن التفصيل. مع أنّ شيطان الخلاف السياسي يكمن في التفصيل لا في الإجمال.. في الواقع لا في الطوبى. وقد كان سيد قطب داعية طوبى لا داعية سلطنة.
في كلّ بيئة ينشأ فيها الفوضويون والخوارج، تكون ثمّة أزمة تسلط حافٍ. لم يكن سيد قطب من الخوارج بالمعنى الذي تعرّفه لنا كتب الملل والنحل، ولكنه ضرب على الوتر الحساس الذي لا حدود لمتاهته. إن الخوارج أنفسهم كانوا قبل ذلك يؤمنون بالدولة والحكومة. لكن ما يهمنا هنا أن نبرز أن النزعة الفوضوية قديمة قدم التّسلط، تزداد حدّة مع اشتداد التسلط. بل هي منتج للتّسلط الحافي لا يوقفها دين ولا عقل.

أترك تعليقاً

التعليقات