خطوة نحو نزع القناع
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
جاء دين الله سبحانه وتعالى، ليعيد للمجتمعات البشرية توازنها، بما اشتملت عليه تعاليمه السمحاء من نظم وقوانين ومبادئ لإقامة الحق والعدل، ورفض التمييز العنصري بكل أشكاله، سواءً أكان ذلك التمييز قائما على أساس عرقي ومناطقي، أم على أساس طبقي، يتم بموجبه تقسيم الناس إلى فئات، فهناك فئة الفقراء والمحرومين والكادحين والمسحوقين والعبيد، يقابلها من ناحية ثانية فئة المستبدين والمترفين والكبراء وأصحاب المال والثروة، وسدنة الدين المزيف من الأحبار والرهبان.
من هنا يبدأ الصراع بين الإسلام المحمدي الأصيل القائم وفق التعاليم الإلهية، التي تضمنها القرآن الكريم، وجسدتها سيرة ومسيرة النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن قبله سيرة جميع أنبياء الله ورسله (عليهم السلام)، وبين الفئات المستفيدة من بقاء الحال على ما هو عليه قبل أن يطلع فجر الرسالة ويعم الدنيا نور الوحي، ولايزال هذا الصراع قائما إلى اليوم، وسيستمر حتى يرث الله هذه الأرض وما عليها، بين حملة المشروع الإلهي الداعين إلى دين الفطرة، والساعين لحفظ كرامة الإنسان، وبين تلك الفئات الداعية إلى حكم الجاهلية، والعاملة على سيادة الظلم والجور، ولا يمكن لتلك الفئات أن تغير اتجاهها أو موقفها، تجاه هذا الدين، لأنها تعتبر وجوده وانتشاره تهديداً لكل مصالحها وامتيازاتها.
وعليه فإنه يستحيل عليها القبول بدين يدعو إلى جعل الناس سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين سيد قرشي أو عبدٍ حبشي، ولذلك ظل هذا الدين وسيبقى محارب ومرفوض لدى أمثال أبي جهل وأبي سفيان وأبي لهب وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة ومعاوية ومَن على شاكلتهم في كل زمانٍ ومكان، إذ سيفقدون بذلك سيطرتهم على الناس وتسخيرهم لخدمة مصالحهم، وتحقيق الراحة والسعادة لهم على حساب حرية وكرامة وإنسانية الآخرين.
وهو يدعو إلى أن يقف الضعيف للمطالبة بحقه ممَن ظلمه من الأقوياء في حضرة السلطان غير متأتئ، فقد روي عن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام)، عن رسول الله (صلوات الله عليه وآله)، أنه لا تُقدس أمة لا يؤخذ فيها الحق للضعيف من القوي غير متأتئ، أي غير خائف ولا وجل ولا مرتبك.
فكيف سيسلم لمثل هذا المبدأ مَن يعيشون على السلب والنهب والبطش والقهر والتسلط، ويعتبرون الناس من حولهم جزءًا من ممتلكاتهم الخاصة، التي يحق لهم فيها التصرف كيفما يريدون؟!
وهو يدعو أيضاً إلى التوزيع العادل للثروة، فلا مكان فيه لوجود الأقلية المترفة والمرفهة، على حساب الأكثرية المسحوقة والتي تفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم، لأنه يعتبر تنامي المال بيد طبقة معينة في المجتمع، ما هو إلا نتيجة تضييع الحقوق لبقية أبنائه، الذين يستغلهم الجشعون والطماعون من عبدة الدينار والدرهم، ويدمرون اقتصادهم ويتحكمون بلقمة عيشهم.
فيا مَن أجهدتم أنفسكم في المديح والتطبيل لكل مسؤول، وأفنيتم أعماركم بحثاً عن مناقبهم، وعملتم ليلاً ونهاراً على التسويق لهم بين الجماهير كنماذج معبرة عن الكمال: كفى كذباً وزوراً. ويجب أن تعلموا: أن قيمة أي سلطة تنطلق باسم الله وتنتمي للإسلام، يحددها مدى حرص تلك السلطة على إقامة الحق ودحض وإزالة الباطل، وما لم تكن كذلك فهي لا تعد شيئاً يستحق أن نفكر مجرد تفكير بأن نضعها بميزان القيم، فهي مهما ارتقت في أي مجال من المجالات الأخرى، ومهما امتلكت من عوامل القوة المادية، ستبقى بالمستوى الذي يجعل للحذاء قيمةً أعظم وأسمى منها، وهذا ما اشتمل عليه قول الإمام علي عليه السلام، لابن عباس عندما استنكر عليه قيامه بخصف نعله وهو أمير المؤمنين: «والله لهي أحب إلي من إمرتكم هذه، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً».

أترك تعليقاً

التعليقات