مظاهر صبغة الخونج القطبية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كثيرةٌ هي تنظيرات نخبة ذوي الفقاهة التقليدية، التي جمدت النص المقدس بعزلتها عن الواقع وما صحبه من أحداث ومتغيرات، والتي إنْ أطلت عليها تناولتها بأدواتها القديمة التي تزيد المشكلات تعقيداً، فتعمق الشعور بالعجز لدى المجتمع عن إمكانية الحل لمشكلاته، والخروج به من حالة التلقي إلى مقام الفعل التغييري البناء، الذي لا يعيش خارج الزمن، ولا يتعامل مع الواقع بعقلية العصور الوسطى.
لقد كان من اللائق بهم أنْ ينطلقوا من خلال القرآن وسعة آفاقه، لا أن ينقلبوا عليه من داخله، في التزامه شكلاً، بينما يجعلون مضامين ذلك الشكل معبرة عن مدرستهم الفقهية التي لم تعد صالحة لشيء سوى للهدم والتحجر والانغلاق، وإيجاد مجتمع فظ، غليظ القلب، سيئ الخلق.
إنهم مهما اتسعت دوائر حضورهم، وتعددت مظاهر حراكهم فسوف يبقى حراك كل هؤلاء مجرد حراك كمي لا أثر له في الواقع، وإن كان معظم هؤلاء العلماء والفقهاء يمتلكون عقولاً وقادة بالأفكار، ولديهم عزم قوي وإرادة فذة، وحيوية من النشاط والقدرة على العطاء؟ لأن كل طاقاتهم تلك تبقى طاقات مهدورة وعارية عن الأصل الذي بموجبه تكتسب أطروحاتهم وتنظيراتهم القدرة الخلاقة على الفعل والتأثير الإيجابي في النفوس والواقع. إنها مهما تفننت في الطرح لأفكارها، وأحسنت استثمار الفرص لتقديم نفسها، فسوف تبقى أطاريحها عديمة القيمة، جالبة للسلب، خالية من التأثير الإيجابي؛ كون كل ما تقدمه لا يخضع لمبضع الأناة والتروي والتهذيب والتشذيب والتقريب من الواقع والفهم لمشكلاته وحاجاته وطبيعة العصر الذي نحن فيه.
وليس بخافٍ على كل حر أن معظم ما جاد به هؤلاء من أفكار قد أسهمت بتعقيد كل المشكلات، وعززت السلبيات، وسيجت على العقول بسياج التحجر والانغلاق، وعملت على مضاعفة الشعور باليأس والإحباط لدى الثوار من إمكانية تجاوز تحديات ومخاطر وسقطات وهفوات ومزالق الراهن، إذ لطالما خلطوا الحق بالباطل، والغث بالسمين، الأمر الذي يدفع الخلص من الأوفياء للمسيرة والثورة إلى غربلة كل نتاج وقرارات أولئك بأدوات أصيلة وواضحة تدمج بين النص والعقل، على ضوء المنهجية القرآنية وسيرة ومسيرة أهل البيت بوعي وإتقان، حتى يكون الجانب العملي وواقع المجتمع مثالا لعظمة وقدسية وعمق وسعة وامتداد القرآن الكريم وفاعليته المنتجة البديعة.
إنهم اجترار فج لجمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الإخونجية الورتلانية، التي عرفها اليمن في أربعينيات القرن الماضي، وإن اختلفوا عنها من حيث الشكل الخارجي، أو المذهب الفقهي؛ فالجهل لا مذهب له؛ والتيار الإخوانجي قد تمكن من صبغ الكثيرين بصبغته، حتى من أولئك المحسوبين على مدرسة التشيع، والمتظاهرين بمظهر الإسلام الأصيل.
وإذا أردت أنْ تعرف حقيقة ما خلفه الفكر الخونجي القطبي في واقعنا؛ فما عليك سوى إعمال العقل في حراك الفقهاء؛ الذي بدأ مما بدأت به الوهابية النجدية، ووليدها غير الشرعي؛ تنظيم الإخوان. ولو أنْ هؤلاء كانوا فعلاً خلّص الانتماء لمدرسة علي (ع) لكان تعاطيهم مع الواقع بما فيه قائماً على ما قد بلغته، أو انتهت إليه الثورة المباركة في جمهورية إيران الإسلامية.

أترك تعليقاً

التعليقات