كم كنا سذجاً!
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لم يتعرض تاريخ أمة من الأمم لمثل ما تعرض له تاريخ اليمن، التاريخ الذي ناله ما ناله من تشويه، وطمس للحقائق، ووضع الأكاذيب التي لا تحصى ولا تعد على اليمن، وتقديمها على أنها هي تاريخ اليمن واليمانيين! هكذا يقول نشوان دماج، في هذه الدراسة (الرحمن.. اللّغز الأكبر) التي أماطت اللثام عن الكثير من الأوهام التي لشدة ما اعتدنا عليها، ولقنونا إياها كحقائق؛ بتنا نعتبرها مسلمات لا دين للمسلم ما لم يؤمن بها، كونها هي الدين، ومَن قال خلاف ذلك، أو شك بشيء منها فهو كافر بالله!
هكذا إذن! نعم. ولأن ذلك كذلك؛ نستمر في كشف الحقائق، التي باتت طي النسيان، أو أصابها ما أصابها حتى بدا الذكر لها، بغرض إخراجها إلى النور، مجرد هرطقات وطنين فارغ. فكي نكتشف كم كنا مخدوعين، بل سذجا، حينما أسلمنا عقولنا وقلوبنا وديننا وتاريخنا وتراثنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ومصيرنا كله؛ لأساطنة الثالوث المنوفيزي، المتجلي بعد مجيء الإسلام بالمنظومة العصبوية القرشية المسيحية المنوفيزية الطلقائية، التي تظاهرت بالإسلام، لكنها ظلت مخلصة لسابق عهدها، متمسكة بجذورها الكنسية، ساعية للعب ذات الدور الذي تشاركت مهمة القيام به مع سيدها القيصر، وملك أو ملوك أكسوم، وهو ضرب الرسالة المحمدية من الداخل، باعتبارها امتدادا لعدو الثالوثية التاريخي، الذي هو الوحدانية، رسالة كل أنبياء الرحمن ورسله، والمبدأ الذي لا حرية ولا إرادة ولا اختيار للفرد والمجتمع، ولا نهضة ولا رقي للإنسانية بكلها ما لم تنطلق من خلاله، وتسير بناءً عليه في كل ما تعمله، نعم كم كنا سذجا، حين اعتبرنا نتاج الدولتين؛ الأموية وبني العباس هو مرجعنا لمعرفة رسول الله ورسالته، والقرآن وما يرتبط به، والتاريخ وكل أخواته من المجموعة التي تعرف اليوم باسم (العلوم الإنسانية) إذ لم يكن أحدنا يكلف نفسه عناء طرح مجرد فرضية التفاف الحلف القديم الممتد من بيزنطة إلى الحبشة، وتابعيهما من قريش أمية وبني مخزوم، وهوازن وثقيف الطائف، وأشاعرة وفرسان وركبان وبني ثعلبة، وبعض نجد على هذا الدين، وتقديمه بما يشفي غليلها، ويمكنها من الثأر لنفسها، مع أنهم لطالما صرحوا بذلك!
لذا آن أوان العودة إلى ذاتنا. الذات التي لم تمسخها، كتب التراث، الذي كتبه هذا الحلف، وحققه في عصرنا وكشف النقاب عنه أحفاد القديس يوحنا الدمشقي، حفيد سرجون. والتخلص من هذه الذات التي ألبسوها إيانا، فهي عبارة عن مس شيطاني، وتركيبة من السحر لمسخ إنساننا. ولن نعود إلى ذاتنا الرحمانية إلا متى ما بينا كل ما تم السكوت عنه، لنزيح بذلك كل الحجب والموانع والعقبات، ونتخلص من كل قيد يحول بيننا وبين الوصول إلى ضفاف وعيون المياه الصافية والنقية النضرة، فقد زادت العلل، واتسعت الأمراض وعمت، وانتشر وجود المعاقين روحياً وفكريا ودينيا واجتماعيا وسياسيا وعلميا وعمليا، نتيجة البقاء على العيون الكدرة، والاكتفاء بالمياه الراكدة الآسنة.
قد يستغرب البعض طرحا هكذا، وقد يراه بعض آخر شيئا من اللقلقات، أو جزءا من الإسهال الكتابي، شأنه شأن كل هذه الكميات الطافحة في كل موقع وصحيفة ومجلة وكتاب وديوان شعر وقناة ومذياع، لكن لا. فأنا كيمني لن أعرف محمداً صلى الله عليه وآله، إلا بمعرفة تاريخي، كما هو، واهتديت إلى سبل تخليص هذا التاريخ الذي هو ضميري كيمني من كل ما جعلني أراه مجرد أشياء كلما أقبلت عليها ازددت ضياعاً واغتراباً وعدمية، كونه يضج بالتناقضات، ويطفح بالأوهام، بل إن حكايات جدتي أفضل منه وأنقى وأكثر أثر وفائدة منه بكثير، على الأقل سأبقى معها صاحب ضمير، وعلى فطرتي الإنسانية. وعليه فلا سبيل للحاق بمحمد، إلا بمعرفة تاريخ أنصاره.
وهم بالطبع ليسوا مجرد قبيلتين سكنتا يثرب، بل مجتمع كان له وجود لآلاف السنين، مجتمع صنع حضارة، وبنى إمبراطوريات، وكون دولا.
وعلى الأقل: نعرف تاريخ اليمن من القرن الأول الميلادي حتى مولد البشارة والنور محمد صلى الله عليه وآله. بذلك نكون معه ومع رسالته لا غير.

أترك تعليقاً

التعليقات