بـ«لاء» يعتدل الميل
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كل سقطاتنا وهفواتنا ومشكلاتنا المختلفة التي جعلت وضعنا الداخلي مزرياً للغاية؛ سببها الرئيس هو وجود مَن يعشق الشهرة، ويسعى دائماً لجعل كل الأضواء مسلطةً عليه، ويرغب أن تكون له الصدارة في المشهد، ولا يحب أن يتقدمه بذلك أحدٌ من العالمين، إذ يرى لنفسه الحق في أن تصير شغل الجماهير الشاغل، بحيث يجعلون من أقواله وأفعاله وقناعاته الأساس لتفكيرهم وقناعاتهم ومواقفهم، فهو الدين والقيمة والقضية والمبدأ والثورة، وكل شيء، أما ما عداه فلا قيمة ولا اعتبار ولا وزن له.
إن هذا الصنف من المزرين لا يعي أن سلامة الرسالة منهاجاً ومبادئ وخطاً تتطلب سلامة النفس التي تحملها، ولا مشكلة لديه أن يضحي بالرسالة من أجل الحفاظ على شخص أو حزب أو قبيلة أو منصب، وهو كذلك على استعداد في التنازل عن المبدأ في سبيل مصلحة مؤقتة، أو مكسب آني، أو انتصار زائف، وهو حريص أيضاً على أن تختلط المفاهيم الحقة بالمفاهيم الباطلة، فيحصل التردد، ويسود الارتباك، ويعم الجهل، وتتنامى حالة العشوائية، حتى يقع السقوط العام والشامل للواقع كله.
إن هذا الصنف هو المقيم لنفسه مقام الإله، أو شبه الإله، لذلك لا يهتم بجانب الأخلاق، ولا يراعي مسألة القيم، ولا يحتكم للتقوى، ولا يعترف بوجود الأخطاء، ناهيك عن سعيه لتفاديها، أو معالجة تبعاتها، مع توجه نحو الإصرار على الذنب، من خلال تصويره له بصورة الحسنة والفضيلة والخير، بموجب ما تقرره نزعة البغي التي تصيره متمرداً على ما سبق أن عرفه من الهدى، إلى الحد الذي يصل به أن يفضل التضحية بالرسالة، كي يحمي ذاته أو تياره، ويتنازل عن المبادئ في سبيل الحفاظ على مصالحه، والظهور بمظهر المتسامح القريب من كل الناس، الأمر الذي يفقده القدرة على القيام بمهامه الواقعة في نطاق مسؤوليته، لكونه صار ملوث النفس والفكر، ضعيف الإرادة، عرضةً للاختراق، كنافذة لإسقاط الأمة عن طريق عدوها، بل تتطور المسألة لديه، إلى أن يصبح منافقاً خالصاً، عندما يكون مستعداً للكذب على الله وخلقه باسمه، جريئاً على نقض عهده ووعده مع خالقه، وذاك ما يبينه قوله تعالى: {فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم بما أخلفوا الله ما وعدوه إلى يوم يلقونه}.
ولا سبيل لمواجهة هذا الصنف إلا بتنمية حس المسؤولية لدى الوسط الشعبي، تجاه ثورته ومشروعه الجهادي التحرري، وتشجيع الناس على الرفض للباطل، حتى يستطيع كل فرد أن يقول: لا، بوجه كل مَن ينسى أو يتناسى الثوابت التي يقوم عليها التوجه، ويتجاوز الحد في الغفلة عن المبادئ التي يمثل وجودها الأساس المبني عليه الانطلاقة العملية والفكرية، التي تنبع عن الانتماء لهوية، وتعبر عن أصالة التزام بالدين، وهذا هو الضامن الوحيد لكي يتحقق لثورتنا جانب الحماية القوي والفعال، سواءً في حمايتها من أنفسنا، أو حمايتها من عدوها وعدونا.
نعم علينا تشجيع ودعم ومساندة هكذا عمل، إذ به يسود الوعي، وتعم النباهة في الوسط المجتمعي، حتى تصير ظاهرةً عامة يتميز بها اليمانيون على سائر مجتمعات وشعوب الدنيا، فبها يعتدل الميل، ويستقيم المعوج، ويعرف الخامل، ويفضح الكاذب والمنافق، ويسود التكامل، ويعم الخير، ويتحقق النصر والبناء.

أترك تعليقاً

التعليقات