هذان خصمان اختصموا في ربهم
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لا شيء أخطر على المسيرة القرآنية من أساطين الفقه؛ ورثة مدرسة الاعتزال بنتاجها الكلامي، وحفظة تراث أصول الفقه، الغارقين في مسائل عفا عليها الزمن، والمنقطعين إلى أحكام الطهارة والنجاسة، والأمة تغص بدمها، وترزح تحت وطأة استحمار كانوا هم مَن عممه وعزز وجوده، وغزو واحتلال استكباري كانوا هم من فتح له الأبواب، ورسم له الخارطة للحركة. هؤلاء هم مَن سلبنا النباهة والوعي، وهزمونا قبل بدء المعركة؛ ألم يجعلوا العلم بالطبيعة، والإحاطة بدقائق الكون وأسراره، من خلال علوم متعددة؛ تجعلنا الممسكين بناصية التقدم علوماً غير شرعية؟ ألم يحرمونا من الاستفادة من خيرات الأرض؛ حين كبلونا إلى أعمدة هجرهم ومدارسهم، بينما كان الغربي هو مَن يفتض بكارة الأرض، وينفذ من أقطارها إلى أقطار السماوات؟ لقد حولونا إلى حقول تجربة له في كل شيء، ولما أتت صرخة الحرية، ورسم شهيد القرآن (ر) لنا المخرج؛ عادوا ليفسدوا علينا ما تم على إثره الصلاح لنفوسنا، ويحطموا ما تحقق لنا بموجبه الوعي بأن نقوم من سباتنا، ونسعى لامتلاك قوتنا؛ لكي نعود أسرى لرهبانيتهم المبتدعة، وطقوسهم المدجنة المحولة لنا مطايا للسلطان، وعبيدا للطاغوت.
لقد جعل هؤلاء في صدارة المشهد كل شيء مهدد بالفناء، فوجودهم في مقدمة المتحدثين عن المسيرة والثورة كفيلٌ بالتنفير من المشروع، الذي يستوجب علينا تقديمه كثقافة قرآنية لها صفاؤها وجاذبيتها وشموليتها وسعة آفاقها، بعيداً عن خط الإفراط والتفريط الذي حكم مسيرة معظم الحركات الإسلامية على طول تاريخنا الحديث والمعاصر.
لقد أراد هؤلاء لحركة الأنصار أن تكون امتدادا لمعظم هذه الحركات، التي ظلت تعيش خارج الوجود، بعد أن غفلت عن استقراء النص القرآني من خلال فهم الواقع، فكانت آراؤها وتصوراتها في كل مناحي الحياة لا تزيد الإنسان إلا عجزاً وغربةً وضياعا.
كما أنها جعلت من الدين وسيلةً لبلوغ أهدافها الدنيوية، وإحكام قبضتها السلطوية على كل شيء، لذلك نجد الشهيد القائد رضوان الله عليه؛ يؤكد على ضرورة أن يكون العمل أياً كان منطلقاً من منطلق الوعي لمفهوم العبادة لله بمعناها الحيوي والشامل، الذي يعتبر رضا الله هو الهدف من وراء كل الأعمال، وهذا ما يجعل كل التحركات والأفكار والمبادئ والمواقف والتوجهات مضبوطةً بضوابط الرسالة، محكومةً بأحكام الله جل شأنه، حاملةً هم الإنسان، ساعيةً لإصلاحه، وتغيير نمط عيشه ومحيطه، وإعمار الأرض وتشييدها بما ينفع الناس.
إن الانقطاع إلى المظهر، وإهمال الجوهر، وتغليب الشكل على حساب المضمون؛ ليس سوى أثر لثقافة الفقيه لا القرآني؛ لأن المسيرة القرآنية لا تهتم بالشكليات والاستعراضات والدعوات والشعارات الفارغة والجوفاء، وإنما تهتم بالمضامين الرسالية التي من شأنها ترك أثر إيجابي ينعكس على بناء وتطور ونهوض الفرد والمجتمع، ويصنع واقعاً مغايراً لما كان سائداً قبل ظهورها وتمكينها، لذلك نراها تعتبر أي مشروع لا يتحول إلى برنامج عملي؛ مشروعا تخديريا فاشلا، مهما حاول أصحابه تعميم مفاهيمه وأفكاره ومبادئه على المحيط، فالمهم هو التطبيق العملي للمشروع الرسالي، فبه يكتسب المشروع حيويته وخلوده، ومن دونه سيبقى هذا المشروع مهما اتسعت دائرة العلم به، والاستيعاب لكل مقتضياته بين الناس؛ معلقاً بالفضاء، لا يُقدم ولا يؤخر، فوجوده وعدمه سواء بسواء.

أترك تعليقاً

التعليقات