هكذا أفهم معنى الهوية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
جمعة رجب؛ عيد أعيادنا كأحرار، ننطلق على أساس إيماني، متمثلين لهدى الله في كل قول وفعل وموقف، ونقدم أنفسنا للناس بأننا أصحاب مشروع رسالي؛ إيمانهم هويةٌ انبنت عليها شخصيتهم الروحية والفكرية؛ فلا يوجد هنالك هوةٌ بين الفكرة والحركة العملية، ولا يمكن أن يلحظ الناس لدينا نزعة لتقديم صورة ناقصة لما وعوه من أفكارنا وثقافتنا التي تقدم الإيمان كمنظومة متكاملة؛ تبدأ من الله، وتنتهي بمواجهة أعدائه، منظومةٌ تبني الفرد والمجتمع روحاً وفكراً، سياسةً وعلماً واجتماعاً واقتصاداً، منظومةٌ أساسها الوحدانية، وقدواتها أنبياء الله ورسله، ومنهاجها كتابه، منظومةٌ أولويتها إقامة العدل، وإزاحة الظلم؛ وحركتها بين الناس مبنية على المحبة لهم، والرحمة بهم، لا فرق عندها بين عرق وعرق، ولا قيمة لديها لقرابة أو أي صلة أخرى ما لم تتشكل ضمن المجموع القائم على الأخوّة في الله، والولاء له، اللذين لا يتحققان إلا متى ما اتجهنا جميعاً إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجد الناس فينا الخير والصلاح؛ فنحن حماة حقوقهم، الحافظون لحرماتهم، الساهرون على خدمتهم.
جمعة رجب؛ محطةٌ لكي نحاسب أنفسنا: أين نجحنا؟ ولماذا؟ وأين فشلنا؟ ولماذا؟ جمعة رجب؛ تعني: العودة إلى علي بن أبي طالب (ع) باعتباره الإيمان كله، والتجسيد الحي للقرآن في كل ميادين الفكر والحركة العملية. فأين نحن من علي (ع) اليوم؟ هل نحن فعلاً راضون عن أنفسنا؟ هل جعلنا ما قد تم لنا خطاً لا يمكن تجاوزه؟ أم أننا لا نزال نسعى لأنْ يتجلى الإمام في واقعنا كمنهاج متكامل، فيرى العالم فينا علياً في عدله ورحمته وقربه من الناس وانحيازه للفقراء، ومحاربته للظالمين، وتفانيه في إصلاح النفوس والواقع كله؟
جميلٌ أن يتزود مجتمعنا بزاد القرآن، ويتشرب مضامين الهوية الإيمانية من منابعها الأصيلة، ولكن شريطة ألا تظل هذه الهوية مفرغة من الحركية التطبيقية، مكتفيةً بالدوران في دائرة الخطاب والتنظير التبليغي الوعظي، الذي يفقد قيمته ما لم يتحول إلى ممارسة عملية تريك الفكرة في الواقع. نعم الخطاب التبليغي مهم؛ لكن أهميته هذه تكمن في كونه محركاً بالأفكار والمفاهيم والقيم والمبادئ إلى ساحات الفعل، ومنتجاً لمشاريع عملية يراها الناس وهي تُطبَق وتُنَفَذ على أرض الواقع.
بذلك فقط يلتف الناس حول الرسالة، ويحملون لواءها، ويتحدون تحت رايتها، أما إذا بقي النشاط التبليغي والتثقيفي والوعظي يسير بمعزل عن ساحات الفعل والحركة، وليس له أدنى أثر أو ارتباط بميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع وسواها؛ فإنه لن يزيد الناس إلا جهلاً وضعفاً وضياعاً وغربة وشتاتا وفرقة وانعدام وزن.
والمرارة الأقسى والأشد على النفس هي حينما نرى معظم المسؤولين والمبلغين لا يلتزمون بأغلب ما يدعون سواهم إليه، ولا يلقون بالاً للمفاهيم والموجهات التي جاء بها مشروعنا، وجرت عليها ثقافة القرآن، إذ يكتفون بسردها في كلماتهم وخطاباتهم، ونقلها حرفياً في حوائطهم وحساباتهم في شبكات التواصل، دون أن نلمسها في ممارساتهم وسلوكياتهم وقراراتهم وعلاقتهم بالمواطن، وهو ما يلتقي مع قوله تعالى: «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم، وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون»، وهذه الآية في غاية الوضوح والصراحة في المقصود من خطابها، والفئة التي تستهدفها، إلى الحد الذي لا يحتاج معه لشرح أو تفصيل، فهل نعقل؟!
صحيحٌ أن الفكر متقدمٌ على العمل، ولكنه لا ينفك عنه، إذ لا قيمة للفكرة في عالم الحقيقة والواقع إلا إذا تم تنفيذها وتطبيقها بشكل دقيق في ساحات وميادين العمل لله وفي سبيله، وبالمستوى الذي يريك أثرها متجلياً على شكل ثورة شاملة، ثورة تحرر الإنسان، وتحقق له حياة كريمة، وتضمن له حقوقه، وتحدد له واجباته، وتبني جسده وعقله ووعيه وإرادته.
وأخيراً؛ إننا نريد للهوية الإيمانية أنْ تتجلى في واقعنا كانعكاس لتمثل الإمام علي (ع) في فكره وروحيته، ومشروعه في بناء الدولة والإدارة والسياسة والأمن والعسكرة والاجتماع والاقتصاد وكل شيء؛ لأن سوى ذلك يعني: أنْ نصاب بما أصيب به سوانا من الحركات والتنظيمات فجلبت على نفسها العار، وزالت من نفوس الناس، وإن بقي بعضها في واقعهم، فهو بقاء محكوم عليه بالفناء؛ نتيجة ارتباطها بمجموعة من العوامل، أبرزها: (إلغاء، عصبيّة، استبداد، عنف، إجرام، شكلية دينية، قداسوية) هذه الحركات التي حملت فناءها في تركيبتها الجينية؛ جاءت كنتاج لذلك التأويل للدين، الذي هو خليط من عناصر جاهلية وسلطوية ودينية، تأخذ من الدين ظاهره، وتدع جوهره. تعمل بـ(طقوسه) وتنبذ قيمه. تستعير قدسيته، وتجافي رحمته، تأتزر مشروعيته، لكنها تقصي إنسانيّته وحضاريّته، ومعانيه الأخلاقيّة السامية.

أترك تعليقاً

التعليقات