هذا هو دين الله
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
إن علاقة الحاكم بالمجتمع من وجهة نظر الإسلام الحق والأصيل؛ لا تقوم على أساس شخصيته، وما يتميز به من مكانة وخلق وقرب من الله، وإنما على أساس البرنامج الذي يقدمه للناس، وائتمنه الله على تبليغه واستنهاض الناس به، وهذا ما توضحه الرواية القائلة: إن النبي صلوات الله عليه وآله، قبيل التحاقه بالرفيق الأعلى قدم أمام الناس حساباً ختامياً عن طبيعة المرحلة التي قادهم فيها، والتي لم يقم على مدى تلك السنين بأي عمل أو بإصدار حكم أو تشريع تبعاً لرغبة ذاتية، أو نتيجة هوى أو مزاج شخصي، إذ يقول: «أيها الناس إنكم لا تعلقون علي بشيء، فلن أحل إلا ما أحله الله، ولم أحرم عليكم إلا ما حرمه هو سبحانه وتعالى».
وهل هناك مَن سيشك مجرد شك بأن رسول الله صلى الله عليه وآله دون ما قاله؟ بالطبع لا، ولكنه أراد أن يربي الناس على الوعي الذي يجعلهم حاضرين في كل مقام، ولديهم النباهة الاجتماعية التي تمكنهم من مراقبة كل من يُعنى بتحمل مسؤولية منهم، ليحموا واقعهم من الزلل والانحراف.
وكذلك كان أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، مع أن إمامته لم تكن شأناً اختيارياً للناس بحيث هم مَن يقومون بوضعه في هذا المقام ويعطونه هذا المنصب، وإنما هي اصطفاء واختيار من الله سبحانه، إذ نراه عادةً ما يؤكد وظيفة السلطة في الإسلام في عدة مواضع من الكثير من كلماته وخطبه وابتهالاته، من ذلك ما ورد في أحد أدعيته، إذ يقول: «اللهم إنك تعلم أن الذي قد كان منا لم يكن منافسة في سلطان، أو التماساً لفضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك».
ومثله قوله: «والله لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذه الله على العلماء، ألا يقاروا على كضة ظالمٍ، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه عندي أزهد من عفطة عنز».
وكذلك قوله عن نعله: «والله لهي أحب إلي من إمرتكم هذه، إلا أن أقيم حقاً، أو أدفع باطلاً».
ومثلما كان واضحاً في برنامجه الذي لا تجد فيه أدنى إحساس بوجود شيء من الاختناق بالذاتية، أو العجب بالمكانة السامية التي بلغها دون سواه، كان شديداً على المفسدين والمتخاذلين وإن كانوا في صفه، لأنه عليه السلام، لم يكن يريد تكثير سواد المنتمين إلى الجبهة التي يمثلها كيفما كان، لذلك يقول مبيناً الفرق بين هدفه من الحكم والسلطة، وبين هدف الآخرين الذين يقبلون إليه ويتوددون له كحاكم: ليس أمري وأمركم واحدا، فأنا أريدكم لله، وأنتم تريدونني لأنفسكم.
وقد بين سلام الله عليه، كيف يكون تعامل المسؤول الذي يريد أن يوجه الناس إلى الله، لكيلا يقعوا في حبائل المضللين والمخادعين، إذ قدم لهم بوضوح تام، وشرح مستفيض، حقيقة أن الحاكم والمحكوم عباد الله، ومن منطلق عبوديتهم لله، فإنهم شركاء في تحمل المسؤولية، بل إنه يستثيرهم على حكمه، ويدعوهم إلى المراقبة لكل تحركاته، وتوجيه النقد له، إذ يقول: فلا تكلموني بما يُكلمُ به الجبابرة، ولا تخشوا مني ما يُخشى عند أهل البادرة، ولا تخالطوني، بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالاً في حق يعرض علي، أو التماس إعظام لنفسي، فلا تكفوا عن مقولة بحق، أو مشورة بعدل، فإنه من استثقل الحق أن يقال له، أو العدل أن يُعرض عليه كان العمل بهما عليه أثقل، ولست في نفسي بفوق أن أخطئ.
وهكذا تتحقق للأمة المناعة من سيطرة الظالمين والفاسدين، متى ما التزمت هذه المبادئ التربوية وسارت عليها، إذ بمثل هكذا وعي وما يعطيه هذا الوعي من دفعة نحو التفاعل والحركة من قبل الجميع، الذين يعتبرون أنفسهم مسؤولين كلٌ بحسب موقعه ودوره، لن يكون التغيير آنياً أو لحظيا، بل يصبح جزءا من كيان الأمة ووجودها، ولا يمكن لأحد أن يجبرها على تركه والتنازل عنه تحت أي ظرف.

أترك تعليقاً

التعليقات