تجزئة العلوم
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لفت نظري قبل أيام منشورٌ لأحد الإخوة القائمين على الهيئة العامة للأوقاف، كان مضمون منشوره يصب في سياق التذكير للناس في ما يتعلق بالمال الوقف من عدة نواحٍ، كقضية البسط عليه وتحويله إلى الملكية الخاصة للشخص الذي يقع هذا المال تحت تصرفه، أو مسألة العائد من ذلك المال لمَن يجب أن يُعطى باعتباره حقاً أحقه الله له دون سواه من الناس، وهنا يكمن سر انجذابي بدافع المعرفة لا أكثر ولا أقل، ومن منطلق عقائدي يجعل المنهج القرآني أساساً للنظرة ومصدراً وحيداً للعلم بكل مجالات الحياة ومعرفة كل مظاهر الوجود.
يرى القائمون على هيئة الأوقاف من خلال ما توحي به تصريحاتهم وتؤكده كتاباتهم وفتاواهم أن مال الوقف هو من حق طلاب العلوم الشرعية فقط لا غير، وذلك بما يستند إلى المفهوم الفقهي الذي يقسم العلوم إلى شرعية وغير شرعية، وهو المفهوم الذي تسبب في تراجع المسلمين في مختلف العلوم التي تتعلق بالبناء الحضاري وتحقيق النهوض والتقدم في مختلف المجالات التي تتوقف عليها قضية الإيجاد للقوة، وإحراز السبق في مختلف الميادين التي تدخل في صلب الاحتياجات الحياتية للإنسان وتشكل عنصراً أساسياً في توفير متطلبات وجوده الكريم والحر، لكون تلك العلوم التي يترتب عليها كل ذلك ليست شرعية ولا خير في أصحابها ولا يؤجر طالبها، على الرغم من أن قوتنا العسكرية والسياسية والاقتصادية والطبية والتكنولوجية والرياضية لن تقوم إلا بالاهتمام بكل العلوم والمعارف التي تتصل بالحياة والوجود وتتصل بقضية المصير في الدنيا، إذ لا عزة للمجتمع والأمة ما لم يكن دافعها لتعلم تلك العلوم هو الواجب العبادي لله الذي يترتب عليه تحقيق الهدف من الخلق والتحرك الواعي للغاية من الوجود على هذه الأرض، كما يقرر ذلك المفهوم القرآني الذي حث على دراسة كل ما يتصل بمظاهر الوجود لهذا الكون ودعا لدراسة كل ما فيه ليرى الإنسان من خلال ذلك كله مظاهر عظمة الله ودلائل قدرته فيشعر بكل ذلك في كل ما يتحرك من حوله من الحياة ليتحقق له بعد ذلك نمو الفكر وصفاء الوجدان اللذان يقودانه لمعرفة الله وتسخير كل ما ذللـه الله له في سبيل التقرب إليه بالطاعة من منطلق أن كل ما يقوم به ويتعلمه ويسعى لمعرفته ما هو إلا باب من أبواب العمل العبادي، وهذا ما لا يرضاه الفقه ولا يقبل به.
من هنا نقول: إن تجزئة العلوم إلى شرعية وغير شرعية دعوةٌ لتقويض ومحاصرة المشروع القرآني والحد من تأثيره، فليت المعنيين يعون القصد والمقصود.

أترك تعليقاً

التعليقات