قطرة من المعين المحمدي
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
قبل أربعة عشر قرناً وتزامناً مع ظهور الإسلام رسالةً إلهية تضمنت كل متطلبات البناء للإنسانية أفراداً وجماعات رجالاً ونساءً، وعلى يد أكمل الخلق وأقربهم وأحبهم إلى الله محمد صلى الله عليه وآله، تم تشييد صرح الإسلام القوي والشامخ والراسخ كبنيان التقى في تحقيق إقامة لبناته جميع الذين تعطشوا للحق والعدل والحرية، ورغبوا في تحطيم قيود وأغلال التبعية العمياء والظلم والطغيان وبقية الجوانب المعبرة بمجموعها عن مجتمع جاهلي تخثرت فيه القيم وانعدمت في جميع ساحات بنيه كل قيم الخير ومقومات العدل والحق بكل معانيه وسياقاته.
من هنا استطاع النبي صلى الله عليه وآله إيجاد عوامل صنع وتكوين الحياة الإنسانية المثلى، التي تجسدت بوجود المجتمع الإنساني المتكامل، الذي لا مكان لديه للفوارق الطبقية والعرقية، وليس فيه أدنى وجود لمحدودية النظرة وضيق الأفق، التي تقوم على حصر الدور والمهمة في مجال القيام بالمسؤولية وأداء الواجب في ترجمة التكاليف الرسالية بكل معانيها وسياقاتها إلى واقع على فئة أو جماعة، أو على الرجال دون النساء، بل جعلت الجميع مسؤولاً ومعنياً بالسعي لتحقيق التكامل في سبيل النهوض بهذه الأمة، وتعميم نور الله على كل هذه الأرض.
انطلاقاً من كل ذلك برز دور المرأة المسلمة المتحركة الواعية المجاهدة في ساحة العمل لإعلاء كلمة الله ونشر دينه وتعميم مفاهيمه في بدايات تشكل النواة الأولى لهذا الدين، بدءاً بتشكل مجتمع النهوض بواجب الدعوة في مكة وصولاً إلى مرحلة بناء الكيان الإسلامي من خلال إيجاد البيئة الحاضنة التي على عاتقها وضعت مهمة بناء الدولة.
ولا تكاد تمر على مرحلة من مراحل الرسالة المحمدية إلا وتلتقي بنماذج عظيمة بلغت أعلى مراتب السمو والرفعة ونالت بجهدها وجهادها وثباتها وصبرها كل محققات حصول الكمال الإنساني من الرجال والنساء. ومن يتأمل في مسيرة الرسول وحركة الرسالة يشعر بالدهشة والاستغراب، إذ كيف استطاعت الدولة الوليدة التي تكونت في المدينة المنورة أن تصنع كل تلك التحولات الكبرى لاسيما في ما يتعلق بالمرأة ودورها؟!
ولكن تلك الدهشة وذلك الاستغراب يزولان عندما يتعرف الفرد منا على عوامل النهوض التي اتبعها الإسلام تجاه المرأة، تلك العوامل المحققة لتغيير جذري في المفاهيم والتصورات التي شكلت نظرة المجتمع الخاضع لمعاني الجاهلية ردحاً من الزمن، وبالتالي فقد جاء هذا الدين واستطاع وضع مقاييس ومعايير تحكم النظرة للمرأة وتضبطها بما ينسجم وروحية الرسالة السمحاء، ويعبر عن استيعاب كل التعاليم التي جاء بها كتاب الله الكريم، التعاليم التي لم تقف عند مستوى رسم حدود النظرية وتشكلاتها، بل إنها اكتسبت كل ضروريات الديمومة والبقاء والاستمرارية من واقع تحرك لرسول الله صلى الله عليه وآله، ذلك التحرك الذي قدم الجانب التطبيقي والعملي لتلك النظرة في كل مجالات الحياة وأحداثها.
ولا شك أن ذلك النهج الإسلامي العظيم قد مكن نساء الإسلام من النهوض والرقي والسمو بما تتطلبه حركة الرسالة، وتقتضيه المسؤولية في حملها وعياً وفاعليةً والتزاماً، الذي شهدنا بموجبه وجود النموذج الحضاري المقدم للمرأة في كل عصر من خلال بروز التكامل الذي وفقه استطاعت المرأة المسلمة أن تقوم بواجبها جنباً إلى جنب مع الرجل، ولم يكن الرجل سابقاً لها أو متميزاً عنها بأي مقام أو موقف، إذ إن كل ميدان من ميادين الجهاد والصبر والدعوة والإنفاق شهد حضور المرأة في سلسلة أسماء حظيت بشرف التضحية ونالت وسام الشهادة، وتقاسمت مع الرجل كل صنوف المعاناة والعذاب، وبقيت ثابتة في وجه كل التحديات راسخة ومتماسكة أمام كل العواصف.

أترك تعليقاً

التعليقات