موجبات الولاء والتسليم
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
تقرر مدرسة الإسلام الأصيل: أن علاقتنا بالله وبالرسول وبأعلام الهدى هي علاقة اتباع واع لا تبعية عمياء؛ لأنك واجد في كل ما يدلك على رحاب الله ، من منهاج وطرق ومعالم وأعلام ما يجعلك تتحرك وأنت صاحب فكر ، ورجل مسؤولية ، تملك الإرادة والاختيار في كل ما تقوله أو تفعله .
وقد يأتي بعض الذين يلبسون الحق بالباطل ليقولوا للناس: إن انتقادكم لما يصدر عن هذه الشخصية والجهة أو تلك من تجاوزات وأخطاء وممارسات ظالمة هو دليل عدم تسليمكم لله وللرسول وللأعلام الهداة والمهديين. وهذا ليس صحيح إطلاقاً . لماذا؟
لأن ولاءنا لله ولرسوله ولأعلام الهدى، وتسليمنا المطلق لله ورسوله وأوليائه ، يفرضان علينا الوقوف بحزم في وجه كل من ينحرف عنهما ويبرر انحرافه باسمهما ؛ لأن التسليم معناه: أن نسير على الطريق الذي اختاره الله لعباده كي يسيروا عليه، وبالتالي فإن كل ما يخالف ما أراده الله هو دليل عدم التسليم ، بل هو فسق . وكل ما يتعارض مع إحقاق الحق ، ونشر العدل والمساواة بين الناس ، وحفظ كراماتهم وحرياتهم وحقوقهم، هو متناف مع الولاية بمفهومها العملي.
كما أن مدرسة الإسلام الأصيل ترفض التبعية، التي تلغي لدى الاتباع الحق في التعبير والاختيار والتفكير ، لماذا؟
لأنها تريد من كل من ينتمي إليها أن يكون عامل قوة في ما سيقدمه من خبرات ويدلي به من أفكار ، ويقدمه من نشاطات ، وأعمال ، ولا تريد للمنتمين أن يكونوا مجرد أكوام لنفايات مهملة ، لا تضيف شيئا للحياة والأحياء ، وإنما تصبح عبئا يضاف إلى بقية الأعباء التي لا يتوقف وجودها على إعاقة الحركة لدى بقية المنتمين فحسب ، ولكنه قد يميتها ويقضي على كل عناصرها من الداخل وبشكل كامل .
إن قيمة الولاء والتسليم يجب أن تتجلى لدى كل مسؤول في مقام تحمله للمسؤولية الذي يحرم عليه استغلال الحق العام لصالحه ، أو يسخره لخدمة ذويه وخاصته، ومن له هوى فيهم ، ومن اعتامه من أعراب قومه ، كون ذلك من موجبات استحقاقه لسخط وغضب الله أولا ، والناس ثانيا ، كما أنه شاهد من الشواهد التي تفقده الاحترام والتقدير في عيون الناس ، وتبعث فيهم له نظرة الاستخفاف والهوان والتحقير ، لأنه خان الله الذي حمله أمانة المنصب الذي هو فيه ، وعمل بخلاف ما يقرره النهج الذي يدعي تبنيه ، والالتزام به، وخان القيادة التي استأمنته على حقوق الأمة ورقابها ، وأعطته الثقة التي أثبت للعيان أنه لم يكن أهلاً لها .
إن من يدعي توليه للإمام علي عليه السلام ، يجب عليه أن يراجع نفسه، ولاسيما من يحتكر المنصب والخدمة لصالحه، ويسخر موقعه في تحمل المسؤولية لمحاباة أقاربه وعصبته ومنطقته . فماذا يعني الولاء غير الاتباع والالتزام بما جاء به ، مصحوباً بالتسليم والمحبة الخالصة؟!
وقد عد الإمام علي عليه السلام ، محاباة الأقارب من قبل الولاة والمسؤولين، ومنحهم شيئا من الامتيازات، أو إعطاءهم ما ليس لهم من بيت مال المسلمين بيعا للدين، ومفارقة لطريق الهداية ، وذنبا موجبا لمرتكبه الخلود في نار جهنم.
ذاك ما بينه في حديثه عن أخيه عقيل ، الذي طلب منه منحه صاعا من القمح من بيت مال المسلمين ، ومع شدة حاجة عقيل لذلك، وعظم ما بلغه سوء الحال بعياله لفقرهم المدقع ، رفض الإمام أن يعطيه أكثر من ما هو له ، وقد أحمى له حديدة ليتعض بها ، يقول عليه السلام: فصرخ صراخ ذي دنف من ألمها ، وكاد أن يحترق من ميسمها ، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل ، تئن من حديدة أحماها صاحبها للعبه ، وتقودني إلى نار سجرها جبارها لغضبه، تئن من الأذى ولا أئن من اللظى ؟!

أترك تعليقاً

التعليقات