عودة العجوز الشمطاء
 

عبدالملك سام

 عبدالملك سام / لا ميديا -

انقلبت المقاييس في العالم مع انتشار حمى الثورات، وكان لزاما على الدولة الاستعمارية الأولى –حينها- أن تنسحب لتفكر بهدوء في كيفية إعادة تموضعها، خاصة مع ظهور أمريكا في الساحة. وعلى العكس من بريطانيا كانت أمريكا لا تنتهج الأسلوب الاستعماري الإنجليزي العنيف، بل كانت تركز على دعم طبقة الحكام وربط مصالحهم بها لتجبرهم لاحقا على تنفيذ مخططاتها، في حين أنها استخدمت الآلة الدعائية الضخمة التي أنشأتها لتداعب أحلام الشعوب بالحرية والديموقراطية.
كان الجشع الأمريكي بلا حدود، خاصة مع تحقيق نتائج فاقت المتوقع، وباتت بريطانيا في حينه في موقف لا تحسد عليه، وأمن الجميع أنها تقتفي خطى الإمبراطورية العثمانية الراحلة. قررت بريطانيا حينها أن تتبع أسلوبا جديدا؛ وهو زراعة كيانات تدين لها بالولاء في المناطق التي تريد أن تظل تحت سيطرتها، وأنشأت كياناً صهيونياً في الشمال ("إسرائيل")، وآخر أصولي متطرف في الجنوب (السعودية)، وقبلت على مضض أن تؤدي دور التابع المطيع، حتى لا تخسر كل شيء، فأمريكا سعت لاستقطاب هذين الكيانين الناشئين واستوعبت كل أطماعهما، لذلك كان لزاما على الإمبراطورية العجوز أن تبدي مرونة أكبر وتقبل بحصة صغيرة في كعكة النفط التي ظهرت بشكل أكبر في المنطقة العربية ذات الموقع الاستراتيجي المهم.
اليوم تدور الدائرة من جديد، وها هي أمريكا تجد نفسها تواجه تحالفا إسلاميا مقاوما يهدد هيمنتها وأطماعها، بالإضافة إلى ما تواجهه من صعوبة للاحتفاظ بموقعها كقطب أوحد للهيمنة عالميا مع ازدياد مشاكلها الاقتصادية وظهور دول إقليمية منافسة. وما زاد الطين بلة هو ما تواجهه الأنظمة العميلة التي تدور في فلكها من مشاكل اقتصادية صعبة أدت لنقص ما تجبيه أمريكا من هذه الأنظمة التي استنزفت ثروات شعوبها الكبيرة لعقود.
هذه المتغيرات شجعت بريطانيا على أن تفكر مجددا بالعودة علها ترد بعضا مما خسرته في الماضي. أمريكا قررت أن تفسح المجال أكثر لأطماع حليفتها الصهيونية اللحوحة، وهذا ما ظهر جليا من خلال حفلات التطبيع المتسارعة في المنطقة، ووجدت الأنظمة العميلة في هذا التطبيع فرصة للحفاظ على دعم أمريكا هروبا من تغيرات داخلية متزايدة مع ازدياد نقمة الشعوب على هذه الأنظمة وتعاظم شعبية محور المقاومة.
وها نحن نرى بريطانيا تمارس الدور ذاته الذي لعبته أمريكا في الماضي، ومن خلال تقديم نفسها كوسيط في أزمات سببتها أمريكا، ومن جهة أخرى تحافظ بريطانيا على استمرار الحروب المشتعلة ومحاولة زيادة نفوذها العسكري بشكل هادئ ومستمر خوفا من أن تصل نقمة الشعوب ونقمة الحليف الأمريكي إليها فتفقد كل شيء.
العين البريطانية متجهة لليمن، وها هي تمارس الدور الأمريكي ذاته في الماضي، وشيئا فشيئا تظهر بعض التغيرات التي تدور خلف الكواليس وحقيقة التوجه الاستعماري البريطاني الذي يحاول أن يحقق المكاسب على حساب أمريكا، فالكل بات يعرف حقيقة وجود قوات بريطانية في الجنوب خاصة في بلحاف ومطار الغيضة ومناطق أخرى، وكلنا شاهدنا الدور الخبيث الذي لعبته بريطانيا في العراق وتحاول أن تطبقه في اليمن.
وما التحركات الأخيرة لبريطانيا في المهرة إلا استعراض جديد للخبث البريطاني بعد عجز سعودي أمريكي عن إخضاع أبناء هذه المحافظة الأحرار. والأيام القادمة ستظهر بشكل أكبر خطورة الدور البريطاني الشيطاني الذي تحاول من خلاله العودة إلى جنوب اليمن. وكشعب يمني مستهدف يجب أن نتحلى جميعا بالوعي واليقظة، وأن نرص الصفوف في مواجهة هذه المحاولات القذرة، وليكن لنا في الماضي وما يحدث في دول أخرى عبرة، ولنتذكر أن الآباء عانوا الويلات من هؤلاء المجرمين، ولن تتوقف المعاناة إلا بطرد هؤلاء من كل شبر من أرضنا.

أترك تعليقاً

التعليقات