رسالة طالب نجاة
 

عبدالملك سام

عبدالملك سام / لا ميديا -
أبي العزيز، لو سألتَ عن أحوالي في الغربة، فأنا على ما يرام والحمد لله؛ ولكن لو أردتَ أن تقترب أكثر فستعرف أنني أواجه حربا مع نفسي؛ فكأنَّ داخلي شخصين يختصمان، فهناك جزء مني يقول لي أن أستسلم للهدوء والدعة، وأن أعيش كمعظم الناس نعمة الجهل، وأن أجنح للراحة والتلذذ بالمأكل والنوم؛ ولكنني هنا -ولا تلمني- لم أجد راحتي!
أما الشخص الثاني الذي وجدتُ فيه نفسي، فهو شخص لا يستطيع إلا أن يهتم بكل ما يجري حولي، وإنني كلما قرأت أكثر وجدت أنني أحمل هموما أكثر، وكأنَّ كل حرف قرأتُهُ يزيد عبئي ومسؤوليتي، وبعد سنوات من دراستي في الغربة وجدتُ نفسي لم أبرح مكاني بينكم، ورأيتُ أنني لم أبتعد عن أرضي وناسي، بل على العكس، فأنا اقتربتُ أكثر كلما قرأت أكثر!
الأيام تمضي، وأنا لا أكترث لعمري الذي يتسرب مني؛ ولكني بتُّ أخشى أن يمضي العمر دون أن أستطيع أن أحقق شيئا يُكتب لي في اليوم الذي ألقى الله فيه، وإني لأدعو الله أن يرضى عني ويسخرني لعمل ما يرضيه، وألا يسمح أن أضيع دربي، وألا يكتبني مع الغافلين.
يا سيدي، لقد علمتني أنا وإخوتي أن نهتم. ولعمري أنك قد صنعتَ خيرا؛ فكلما رأيتُ أقراني في الدراسة يفرحون عندما تنتهي أيام الدراسة أشعر بالعجب منهم، فكيف لمن عرف الله وعرف طريقته أن ينام قرير العين بعدها؟!
العلم مسؤولية كما علمتني، وقد أدركتُ بعد مرور هذه السنوات أن أكثر الناس همّاً هم العارفون، وأفضلهم هم الأنبياء، الذين عملوا بما عرفوا، ويأتي من بعدهم السائرون على نهجهم بصدق، وعرفتُ أيضا لماذا يكون الشهداء أسعد الناس عندما يلقون بارئهم؛ فقد وصلوا.
بعد أيام ستبدأ الإجازة، بعد أن أكملنا عاما آخر في الدراسة واجتزنا الاختبارات. ولقد أبليتُ حسنا في الدراسة؛ ولكني أجد أنه ما زال من المبكر أن أرتاح؛ فما يزال الاختبار الإلهي مستمرا. ولعل أهم ما تعلمتُه هو أنني ما أزال أحمل هموم أمتي، وأنني لا بد أن أجتهد وأعمل لأحقق شيئا في سبيل خلاصي وخلاص الناس، وإني كلما اضطربت الأفكار في رأسي لا أجد راحتي وسعادتي سوى في كتاب الله، الذي طالما أرشدني وهداني إلى الطريق الذي يجب عليَّ السير فيه.
ختاما، أطلب منك أن تدعو لي. وكما أوصيتني دوما فأنا أدعو الله بهذا الدعاء: «اللهم ثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة».

أترك تعليقاً

التعليقات